الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ }

المعنى: { اذهبوا } إلى الأرض التي جئتم منها وتركتم أخويكم بنيامين وروبيل، { فتحسسوا } ، أي استقصوا ونقروا، والتحسس: طلب الشيء بالحواس من البصر والسمع، ويستعمل في الخير والشر، فمن استعماله في الخير هذه الآية، وفي الشر نهي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ولا تحسسوا.

وقوله: { من يوسف } يتعلق بمحذوف يعمل فيه { تحسسوا } التقدير: فتحسسوا نبأ أو حقيقة من أمر يوسف. لكن يحذف ما يدل ظاهر القول عليه إيجازاً.

وقرأت فرقة: " تيأسوا " وقرأت فرقة " تأيسوا " على ما تقدم، وقرأ الأعرج " تِئسوا " بكسر التاء.

وخص يوسف وبنيامين بالذكر لأن روبيل إنما بقي مختاراً. وهذان قد منعا الأوبة.

و " الروح ": الرحمة. ثم جعل اليأس من رحمة الله وتفريجه من صفة الكافرين. إذ فيه إما التكذيب بالربوبية، وإما الجهل بصفات الله تعالى.

وقرأ الحسن وقتادة وعمر بن عبد العزيز " من رُوح الله " بضم الراء. وكأن معنى هذه القراءة لا تأيسوا من حي معه روح الله الذي وهبه، فإن من بقي روحه فيرجى، ومن هذا قول الشاعر: [الطويل]

وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع   
ومن هذا قول عبيد:

وكل ذي غيبة يؤوب   وغائب الموت لا يؤوب
ويظهر من حديث الذي قال: إذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في البحر والبر في يوم راح. فلئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من الناس، إنه يئس من روح الله، وليس الأمر كذلك، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث فغفر الله له يقتضي أنه مات مؤمناً إذ لا يغفر الله لكافر، فبقي أن يتأول الحديث، إما على أن قدر بمعنى ضيق وناقش الحساب، فذلك معنى بين، وإما أن تكون من القدرة، ويقع خطأ في أن ظن في أن الاجتماع بعد السحق والتذرية محال لا يوصف الله تعالى بالقدرة عليه فغلط في أن جعل الجائز محالاً، ولا يلزمه بهذا كفر. قال النقاش: وقرأ ابن مسعود " من فضل " وقرأ أبي بن كعب: " من رحمة الله ".

وقوله تعالى: { فلما دخلوا عليه } الآية، في هذا الموضع اختصار محذوفات يعطيها الظاهر، وهي: أنهم نفذوا من الشام إلى مصر ووصلوها والضمير في { عليه } عائد على يوسف، و { الضر } أرادوا به المسغبة التي كانوا بسبيلها وأمر أخيهم الذي أهم أباهم وغم جميعهم، و " البضاعة " القطعة من المال يقصد بها شراء شيء، ولزمها عرف الفقه فيما لا حظ لحاملها من الربح، والـ { مزجاة } معناها المدفوعة المتحيل لها، ومنه إزجاء السحاب، ومنه إزجاء الإبل كما قال الشاعر:


السابقالتالي
2