المعنى: أنه لما ساء ظنه بهم ولم يصدق قولهم بل استراب به، { تولى عنهم } أي زال بوجهه عنهم وجعل يتفجع ويتأسف، قال الحسن: خصت هذه الأمة بالاسترجاع ألا ترى إلى قول يعقوب: { يا أسفي }. قال القاضي أبو محمد: والمراد: " يا أسفي ". لكن هذه لغة من يرد ياء الإضافة ألفاً نحو: يا غلاماً ويا أبتا، ونادى الأسف على معنى احضر فهذا من أوقاتك. وقيل: قوله: { يا أسفى } على جهة الندبة، وحذف الهاء التي هي في الندبة علامة المبالغة في الحزن تجلداً منه عليه السلام، إذ كان قد ارتبط إلى الصبر الجميل، وقيل: قوله: { يا أسفى } نداء فيه استغاثة. قال القاضي أبو محمد: ولا يبعد أن يجتمع الاسترجاع و { يا أسفى } لهذه الأمة وليعقوب عليه السلام. { وابيضت عيناه } أي من ملازمة البكاء الذي هو ثمرة الحزن، وروي " أن يعقوب عليه السلام حزن حزن سبعين ثكلى وأعطي أجر مائة شهيد وما ساء ظنه بالله قط " ، رواه الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن عباس ومجاهد " من الحَزَن " بفتح الحاء والزاي، وقرأ قتادة بضمهما وقرأ الجمهور بضم الحاء وسكون الزاي. { وهو كظيم } يمعنى كاظم، كما قال{ والكاظمين الغيظ } [آل عمران: 134]، ووصف يعقوب بذلك لأنه لم يشك إلى أحد، وإنما كان يكمد في نفسه ويمسك همه في صدره، وكان يكظمه أي يرده إلى قلبه ولا يرسله بالشكوى والغضب والفجر. وقال ناس: { كظيم } بمعنى: مكظوم. قال القاضي أبو محمد: وقد وصف الله تعالى يونس عليه السلام بمكظوم في قوله{ إذ نادى وهو مكظوم } [القلم: 48] وهذا إنما يتجه على تقدير أنه مليء بحزنه، فكأنه كظم بثه في صدره، وجري كظيم على باب كاظم أبين. وفسر ناس " الكظيم " بالمكروب وبالمكمود - وذلك كله متقارب - وقال منذر بن سعيد: الأسف إذا كان من جهة من هو أقل من الإنسان فهو غضب، ومنه قول الله تعالى:{ فلما آسفونا انتقمنا منهم } [الزخرف: 55] ومنه قول الرجل الذي ذهبت لخادمه الشاة من الغنم: فأسفت فلطمتها؛ وإذا كان من جهة لا يطيقها فهو حزن وهم. قال القاضي أبو محمد: وتحرير هذا المنزع: أن الأسف يقال في الغضب ويقال في الحزن، وكل واحد من هذين يحزر حاله التي يقال عليها، وقوله تعالى: { قالوا تالله تفتأ } الآية، المعنى تالله لا تفتأ فتحذف لا في هذه الموضع من القسم لدلالة الكلام عليها فمن ذلك قول امرىء القيس: [الطويل]