الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } * { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

الأمر بالرجوع قيل: هو من قول كبيرهم، وقيل: بل هو من قول يوسف لهم، والأول أظهر.

وقرأ الجمهور " سرقَ " على تحقيق السرقة على بنيامين، بحسب ظاهر الأمر. وقرأ ابن عباس وأبو رزين " سُرِّق " بضم السين وكسر الراء وتشديدها، وكأن هذه القراءة فيها لهم تحر، ولم يقطعوا عليه بسرقة، وإنما أرادوا جعل سارقاً بما ظهر من الحال - ورويت هذه القراءة عن الكسائي - وقرأ الضحاك: " إن ابنك سارقٌ " بالألف وتنوين القاف، ثم تحروا بعد - على القراءتين - في قولهم { وما شهدنا إلا بما علمنا } أي وقولنا لك: { إن ابنك سرق } إنما هي شهادة عندك بما علمناه من ظاهر ما جرى، والعلم في الغيب إلى الله، ليس في ذلك حفظنا، هذا قول ابن إسحاق، وقال ابن زيد: قولهم: { ما شهدنا إلا بما علمنا } أرادوا به: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترقّ في شرعك إلا بما علمنا من ذلك، { وما كنا للغيب حافظين } أن السرقة تخرج من رحل أحدنا، بل حسبنا أن ذلك لا يكون البتة، فشهدنا عنده حين سألنا بعلمنا.

وقرأ الحسن " وما شهدنا عليه إلا بما علمنا " بزيادة " عليه ".

ويحتمل قوله: { وما كنا للغيب حافظين } أي حين واثقناك، إنما قصدنا ألا يقع منا نحن في جهته شيء يكرهه، ولم نعلم الغيب في أنه سيأتي هو بما يوجب رقه.

وروي أن معنى قولهم: { للغيب } أي الليل، والغيب: الليل - بلغة حمير - فكأنهم قالوا: وما شهدنا عندك إلا بما علمناه من ظاهر حاله، وما كنا بالليل حافظين لما يقع من سرقته هو أو التدليس عليه. ثم استشهدوا بأهل القرية التي كانوا فيها - وهي مصر، قاله ابن عباس وغيره، وهذا مجاز، والمراد أهلها، وكذلك قوله: { والعير } ، هذا قول الجمهور، وهو الصحيح، وحكى أبو المعالي في التلخيص عن بعض المتكلمين أنه قال: هذا من الحذف وليس من المجاز، قال: وإنما المجاز لفظة تستعار لغير ما هي له.

قال القاضي أبو محمد: وحذف المضاف هو عين المجاز وعظمه - هذا مذهب سيبويه وغيره من أهل النظر - وليس كل حذف مجازاً، ورجح أبو المعالي - في هذه الآية - أنه مجاز، وحكى أنه قول الجمهور أو نحو هذا.

وقالت فرقة: بل أحالوه على سؤال الجمادات والبهائم حقيقة، ومن حيث هو نبي فلا يبعد أن تخبره بالحقيقة.

قال القاضي أبو محمد: وهذا وإن جوز فبعيد، والأول أقوى، وهنا كلام مقدر يقتضيه الظاهر، تقديره: فلما قالوا هذه المقالة لأبيهم قال: { بل سولت } ، وهذا على أن يتصل كلام كبيرهم إلى هنا، ومن يرى أن كلام كبيرهم تم في قوله: { إن ابنك سرق } ، فإنه يجعل الكلام هنالك تقديره: فلما رجعوا قالوا: { إن ابنك سرق } الآية.

السابقالتالي
2