الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

لما أبى يوسف المعصية، ويئست منه امرأة العزيز طالبته بأن قالت لزوجها: إن هذا الغلام العبراني قد فضحني في الناس وهو يعتذر إليهم ويصف الأمر بحسب اختياره، وأنا محبوسة محجوبة، فإما أذنت لي فخرجت إلى الناس فاعتذرت وكذبته، وإما حبسته كما أنا محبوسة. فحينئذ بدا لهم سجنه. قال ابن عباس: فأمر به فحمل على حمار، وضرب بالطبل ونودي عليه في أسواق مصر إن يوسف العبراني أراد سيدته فهذا جزاؤه أن يسجن؛ قال أبو صالح: ما ذكر ابن عباس هذا الحديث إلا بكى.

و { بدا } معناه: ظهر، والفاعل بـ { بدا } محذوف تقديره بدو - أو - رأي. وجمع الضمير في { لهم } والساجن الملك وحده من حيث كان في الأمر تشاور. و { يسجننه } جملة دخلت عليها لام القسم. ولا يجوز أن يكون الفاعل بـ { بدا } لـ { يسجننه } لأن الفاعل لا يكون جملة بوجه، هذا صريح مذهب سيبويه. وقيل الفاعل { ليسجننه } وهو خطأ، وإنما هو مفسر للفاعل.

و { الآيات } ذكر فيها أهل التفسير أنها قد القميص، قاله مجاهد وغيره، وخمش الوجه الذي كان مع قد القميص، قاله عكرمة، وحز النساء أيديهن، قاله السدي.

قال القاضي أبو محمد: ومقصد الكلام إنما هو أنهم رأوا سجنه بعد بدو الآيات المبرئة له من التهمة، فهكذا يبين ظلمهم له وخمش الوجه وحز النساء أيديهن ليس فيهما تبرية ليوسف، ولا تتصور تبرية إلا في خبر القميص، فإن كان المتكلم طفلاً - على ما روي - فهي آية عظيمة، وإن كان رجلاً فهي آية فيها استدلال ما، والعادة أنه لا يعبر بآية إلا فيما ظهوره في غاية الوضوح، وقد تقع { الآيات } أيضاً على المبينات كانت في أي حد اتفق من الوضوح.

ويحتمل أن يكون معنى قوله: { من بعد ما رأوا الآيات } أي من بعد ما ظهر لهم من وجوه الأمر وقرائنه أن يوسف برىء، فلم يرد تعيين آية بل قرائن جميع القصة.

و " الحين " في كلام العرب وفي هذه الآية الوقت من الزمن غير محدود يقع للقليل والكثير، وذلك بين موارده في القرآن؛ وقال عكرمة " الحين " - هنا - يراد به سبعة أعوام، وقيل: بل يراد بذلك سنة.

قال القاضي أبو محمد: وهذا بحسب ما كشف الغيب في سجن يوسف.

وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يقرأ " عتى حين " بالعين - وهي لغة هذيل - فقال له: من أقرأك؟ قال: ابن مسعود، فكتب عمر إلى ابن مسعود: إن الله أنزل القرآن عربياً بلغة قريش، فبها أقرىء الناس، ولا تقرئهم بلغة هذيل، وروي عن ابن عباس أنه قال: عثر يوسف عليه السلام ثلاث عثرات:

السابقالتالي
2