الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }

ذكر الفعل المسند إلى " النسوة " لتذكير اسم الجمع و { نسوة } جمع قلة لا واحد له من لفظه، وجمع التكثير نساء، و { نسوة } فعلة، وهو أحد الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد، وقد نظمها القائل ببيت شعر: [البسيط]

بأفعل وبأفعال وأفعلة   وفعلة يعرف الأدنى من العدد
ويروى أن هؤلاء النسوة كن أربعاً: امرأة خبازة، وامرأة ساقية، وامرأة بوابة، وامرأة سجانة. و { العزيز }: الملك ومنه قول الشاعر: [الرمل]

درة غاص عليها تاجر   جلبت عند عزيز يوم طل
و " الفتى " الغلام، وعرفه في المملوك - وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي " ، ولكنه قد يقال في غير المملوك، ومنهإذ قال موسى لفتاه } [الكهف: 60] وأصل " الفتى " في اللغة الشاب، ولكن لما كان جل الخدمة شباباً استعير لهم اسم الفتى. و { شغفها } معناه: بلغ حتى صار من قلبها موضع الشغاف، وهو على أكثر القول غلاف من أغشية القلب، وقيل: " الشغاف ": سويداء القلب، وقيل: الشغاف: داء يصل إلى القلب.

وقرأ أبو رجاء والأعرج وعلي بن أبي طالب والحسن بخلاف ويحيى بن يعمر وقتادة بخلاف وثابت وعوف ومجاهد وغيرهم: " قد شعفها " بالعين غير منقوطة، ولذلك وجهان:

أحدهما أنه علا بها كل مرقبة من الحب، وذهب بها كل مذهب، فهو مأخوذ - على هذا - من شعف الجبال وهي رؤوسها وأعاليها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ".

والوجه الآخر أن يكون الشعف لذة بحرقة يوجد من الجراحات والجرب ونحوها ومنه قول امرىء القيس: [الطويل]

أيقتلني وقد شعفت فؤادها   كما شَعَفَ المهنوءةَ الرجلُ الطالي
والمشعوف في اللغة الذي أحرق الحب قلبه، ومنه قول الأعشى:

تعصي الوشاة وكان الحب آونة   مما يزين للمشعوف ما صنعا
وروي عن ثابت البناني وأبي رجاء أنهما قرآ: " قد شعِفعما " بكسر العين غير منقوطة. قال أبو حاتم: المعروف فتح العين وهذا قد قرىء به. وقرأ ابن محيصن: { قد شغفها } أدغم الدال في الشين.

وروي أن مقالة هؤلاء النسوة إنما قصدن بها المكر بامرأة العزيز ليغضبنها حتى تعرض عليهن يوسف ليبين عذرها أو يحق لومها. وقد قال ابن زيد الشغف في الحب والشغف في البغض، وقال الشعبي: الشغف والمشغوف بالغين منقوطة في الحب والشعف الجنون والمشعوف المجنون، وهذان القولان ضعيفان.

وقوله تعالى: { فلما سمعت بمكرهن } الآية، إنما سمي قولهن مكراً من حيث أظهرن إنكار منكر وقصدن إثارة غيظها عليهن، وقيل: { مكرهن } انهن أفشين ذلك عنها وقد كانت أطلعتهن على ذلك واستكتمتهن أياه، وهذا لا يكون مكراً إلا بأن يظهرن لها خلاف ذلك ويقصدن بالإفشاء أذاها.

السابقالتالي
2 3 4