الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

قال نوف الشامي: كان يوسف عليه السلام لم يبن على كشف القصة، فلما بغت به غضب فقال الحق، فأخبره أنها هي راودته عن نفسه، فروي أن الشاهد كان الرجل ابن عمها، قال: انظر إلى القميص فإن كان قده من دبر فكذبت، أو من قبل فصدقت، قاله السدي. وقال ابن عباس: كان رجلاً من خاصة الملك، قاله مجاهد وغيره. وقيل: إن الشاهد كان طفلاً في المهد فتكلم بهذا، قاله أيضاً ابن عباس وأبو هريرة وابن جبير وهلال بن يساف والضحاك.

قال القاضي أبو محمد: ومما يضعف هذا أن في صحيح البخاري ومسلم: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وابن السوداء الذي تمنت له أن يكون كالفاجر الجبار، فقال: لم يتكلم وأسقط صاحب يوسف منها، ومنها أن الصبي لو تكلم لكان الدليل نفس كلامه دون أن يحتاج إلى الاستدلال بالقميص. وأسند الطبري إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكلم في المهد أربعة " ، فذكر الثلاثة وزاد صاحب يوسف، وذكر الطبري عن ابن عباس: أن ابن ماشطة فرعون تكلم في المهد، فهم على هذا خمسة، وقال مجاهد - أيضاً - الشاهد القميص.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لأنه لا يوصف بأنه من الأهل.

وقرأ جمهور الناس: " من قبُلٍ " و " من دبُرٍ " بضم الباءين وبالتنوين، وقرأ ابن يعمر والجارود بن أبي سبرة ونوح وابن أبي إسحاق " من قُبُلُ " و " من دُبُرُ " بثلاث ضمات من غير تنوين، قال أبو الفتح: هما غايتان بنيتا، كقوله تعالى:من قبل ومن بعد } [الروم: 4] قال أبو حاتم: وهذا رديء في العربية جداً، وإنما يقع هذا البناء في الظروف، وقرأ الحسن " من قبْلٍ " و " من دبْرٍ " بإسكان الباءين والتنوين، ورويت عن أبي عمرو وروي عن نوح القاري أنه أسكن الباءين وضم الأواخر ولم ينون ورواها عن ابن أبي إسحاق عن يحيى بن يعمر.

وسمي المتكلم بهذا الكلام { شاهد } من حيث دل على الشاهد ونفس الشاهد هو تخريق القميص.

وقرأت فرقة: " فلما رأى قميصه عط من دبر ". والضمير في { رأى } هو للعزيز، وهو القائل: { إنه من كيدكن } ، قاله الطبري وقيل: بل " الشاهد " قال ذلك، والضمير في { إنه } يريد مقالها المتقدم في الشكوى بـ " يوسف ".

ونزع بهذه الآية من يرى الحكم بالأمارة، من العلماء، فإنها معتمدهم، و { يوسف } في قوله: { يوسف أعرض عن هذا } منادى، قاله ابن عباس، ناداه الشاهد، وهو الرجل الذي كان مع العزيز، و { أعرض عن هذا } معناه: عن الكلام به، أي اكتمل ولا تتحدث به؛ ثم رجع إليها فقال: { واستغفري لذنبك } أي استغفري زوجك وسيدك، وقال: { من الخاطئين } ولم يقل: من الخاطئات لأن الخاطئين أعم، وهو من: خطىء يخطأ خطئاً وخطأ، ومنه قول الشاعر [أوس بن غلفاء]: [الوافر]

لعمرك إنما خطئي وصوبي   عليّ وإنما أتلفت مالي
وينشد بيت أمية بن أبي الصلت: [الوافر]

عبادك يخطئون وأنت رب   بكفيك المنايا والحتوم