الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

" المراودة " الملاطفة في السوق إلى غرض، وأكثر استعمال هذه اللفظة إنما هو في هذا المعنى الذي هو بين الرجال والنساء؛ ويشبه أن يكون من راد يرود إذا تقدم لاختبار الأرض والمراعي، فكان المراود يختبر أبداً بأقواله وتلطفه حال المراود من الإجابة أو الامتناع.

وفي مصحف وكذلك رويت عن الحسن: و { التي هو في بيتها } هي زليخا امرأة العزيز. وقوله { عن نفسه } كناية عن غرض المواقعة. وقوله: { وغلقت } تضعيف مبالغة لا تعدية، وظاهر هذه النازلة أنها كانت قبل أن ينبأ عليه السلام.

وقرأ ابن كثير وأهل مكة: " هَيْتُ " بفتح الهاء وسكون الياء وضم التاء وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق وابن محيصن وأبو الأسود وعيسى بفتح الهاء وكسر التاء " هَيتِ " ، وقرأ ابن مسعود والحسن والبصريون " هَيْتَ " بفتح الهاء والتاء وسكون الياء، ورويت عن ابن عباس وقتادة وأبي عمرو، قال أبو حاتم: لا يعرف أهل البصرة غيرها وهم أقل الناس غلواً في القراءة، قال الطبري: وقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ نافع وابن عامر " هِيْتَ " بكسر الهاء وسكون الياء وفتح التاء - وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر - وهذه الأربع بمعنى واحد، واختلف باختلاف اللغات فيها، ومعناه الدعاء أي تعال وأقبل على هذا الأمر، قال الحسن: معناها هلمَّ، ويحسن أن تتصل بها { لك } إذ حلت محل قولها: إقبالاً أو قرباً، فجرت مجرى سقياً لك ورعياً لك، ومن هذا قول الشاعر يخاطب علي بن أبي طالب: [مجزوء الكامل]

أبلغ أمير المؤمنين   أخا العراق إذا أتينا
أن العراق وأهله   عنق إليك فهيت هيتا
ومن ذلك على اللغة الأخرى قول طرفة: [الخفيف]

ليس قومي بالأبعدين إذا ما   قال داع من العشيرة هيت
ومن ذلك أيضاً قول الشاعر: [الرجز]

قد رابني أن الكرى قد أسكتا   ولو غدا يعني بنا لهيتا
أسكت: دخل في سكوت، و " هيت " معناه: قال: هيت، كما قالوا: أقف إذا قال: أف أف، ومنه سبح وكبر ودعدع إذ قال: داع داع.

والتاء على هذه اللغات كلها مبنية فهي في حال الرفع كقبل وبعد، وفي الكسر على الباب لالتقاء الساكنين، وفي حال النصب ككيف ونحوها؛ قال أبو عبيدة: و { هيت } لا تثنى ولا تجمع، تقول العرب: { هيت لك } ، وهيت لكما، وهيت لكم.

وقرأ هشام بن عامر " هِئتُ " ، بكسر الهاء والهمز، ضم التاء وهي قراءة علي بن أبي طالب، وأبي وائل، وأبي رجاء ويحيى، ورويت عن أبي عمرو، وهذا يحتمل أن يكون من هاء الرجل يهيء إذا أحسن هيئته - على مثال جاء يجيء - ويحتمل أن يكون بمعنى تهيأت، كما يقال: فئت وتفيأت بمعنى واحد، قال الله عز وجل:

السابقالتالي
2 3 4