الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ }

تقدم القول في فواتح السور، و { الكتاب } القرآن، ووصفه بـ { المبين } قيل: من جهة أحكامه وحلاله وحرامه، وقيل: من جهة مواعظه وهداه ونوره، وقيل: من جهة بيان اللسان العربي وجودته إذ فيه ستة أحرف لم تجتمع في لسان - روي هذا القول عن معاذ بن جبل - ويحتمل أن يكون مبيناً لنبوة محمد بإعجازه.

والصواب أنه " مبين " بجميع هذه الوجوه. والضمير في قوله: { أنزلناه } لـ { الكتاب } ، والإنزال: إما بمعنى الإثبات، وإما أن تتصف به التلاوة والعبارة؛ وقال الزجاج: الضمير في { أنزلناه } يراد به خبر يوسف.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وقوله: { لعلكم } يحتمل أن تتعلق بـ { أنزلناه } أي أنزلناه لعلكم، ويحتمل أن تتعلق بقوله: { عربياً } أي جعلناه { عربياً لعلكم تعقلون } ، إذ هو لسانكم. و { قرآناً } حال، و { عربياً } صفة له، وقيل: إن { قرآناً } بدل من الضمير - وهذا فيه نظر - وقيل: { قرآناً } توطئة للحال و { عربياً } حال، وهذا كما تقول: مررت بزيد رجلاً صالحاً، وقوله: { نحن نقص عليك } الآية، روى ابن مسعود أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا: لو قصصت علينا يا رسول الله، فنزلت هذه الآية، ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: لو حدثتنا يا رسول الله، فنزلتالله نزل أحسن الحديث كتاباً } [الزمر: 23].

و { القصص }: الإخبار بما جرى من الأمور، كأن الأنباء تتبع بالقول، وتقتص بالأخبار كما يقتص الآخر، وقوله: { بما أوحينا إليك } أي بوحينا. و { القرآن } نعت لـ { هذا } ، ويجوز فيه البدل، وعطف البيان فيه ضعيف. و { إن } هي المخففة من الثقيلة واللام في خبرها لام التأكيد - هذا مذهب البصريين - ومذهب أهل الكوفة أن { إن } بمعنى ما، واللام بمعنى إلا. والضمير في { قبله } للقصص العام لما في جميع القرآن منه. و { من الغافلين } ، أي عن معرفة هذا القصص. ومن قال: إن الضمير في { قبله } عائد على { القرآن } ، جعل { من الغافلين } في معنى قوله تعالى:ووجدك ضالاً فهدى } [الضحى: 7] أي على طريق غير هذا الدين الذي بعثت به، ولم يكن عليه السلام في ضلال الكفار ولا في غفلتهم لأنه لم يشرك قط، وإنما كان مستهدياً ربه عز وجل موحداً، والسائل عن الطريق المتخير يقع عليه في اللغة اسم ضال.