الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }

قيل إن " السيارة " جاءت في اليوم الثاني من طرحه في الجب، { سيارة }: جمع سيار، كما قالوا بغال وبغالة، وهذا بعكس تمرة وتمر، و { سيارة }: بناء مبالغة للذين يرددون السير في الطرق. وروي أن هذه " السيارة " كانوا قوماً من أهل مدين، وقيل: قوم أعراب. و " الوارد " هو الذي يأتي الماء ليسقي منه لجماعة، ويروى أن مدلي الدلو كان يسمى مالك بن ذعر، ويروى أن هذا الجب كان بالأردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب، ويقال: " أدلى الدلو ": إذا ألقاه في البئر ليستقي الماء. ودلاه يدلوه: إذا استقاه من البئر. وفي الكلام هنا حذف تقديره: فتعلق يوسف بالحبل فلما بصر به المدلي قال: يا بشراي، وروي أن يوسف كان يومئذ ابن سبع سنين، ويرجح هذا لفظة { غلام } ، فإنه ما بين الحولين إلى البلوغ، فإن قيلت فيما فوق ذلك فعلى استصحاب حال وتجوز؛ وقيل: كان ابن سبع عشرة سنة - وهذا بعيد -.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " يا بشرايَ " بإضافة البشرى إلى المتكلم وبفتح الياء على ندائها كأنه يقول: احضري، فهذا وقتك، وهذا نحو قوله:يا حسرة على العباد } [يس: 30] وروى ورش عن نافع " يا بشرايْ " بسكون الياء، قال أبو علي: وفيها جمع بين ساكنين على حد دابة وشابة، ووجه ذلك أنه يجوز أن تختص بها الألف لزيادة المد الذي فيها على المد الذي في أختيها، كما اختصت في القوافي بالتأسيس، واختصت في تخفيف الهمزة نحو هبأة وليس شيء من ذلك في الياء والواو.

وقرأ أبو الطفيل والجحدري وابن أبي إسحاق والحسن " يا بشريَّ " تقلب الألف ياء ثم تدغم في ياء الإضافة، وهي لغة فاشية، ومن ذلك قول أبي ذؤيب: [الكامل]

سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهمُ   فتخرموا ولكل جنب مصرع
وأنشد أبو الفتح وغيره في ذلك:

يطوّف بيَّ كعب في معد   ويطعن بالصملة في قفيا
فإن لم تثأروا لي في معد   فما أرويتما أبداً صديا
وقرأ حمزة والكسائي " يا بشرِي " ويميلان ولا يضيفان. وقرأ عاصم كذلك إلا أنه يفتح الراء ولا يميل، واختلف في تأويل هذه القراءة فقال السدي: كان في أصحاب هذا " الوارد " رجل اسمه بشرى، فناداه وأعلمه بالغلام، وقيل: هو على نداء البشرى - كما قدمنا - والضمير في قوله: { وأسروه } ظاهر الآيات أنه لـ " وارد " الماء، - قاله مجاهد، وقال: إنهم خشوا من تجار الرفقة إن قالوا: وجدناه أن يشاركوهم في الغلام الموجود.

قال القاضي أبو محمد: هذا إن كانوا فسقة أو يمنعوهم من تملكه إن كانوا خياراً، فأسروا بينهم أن يقولوا: أبضعه معنا بعض أهل المصر.

السابقالتالي
2 3