الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

هذه الآية تتضمن الرد على مستغربي إرسال الرسل من البشر كالطائفة التي قالت: أبعث الله بشراً رسولاً، وكالطائفة التي اقترحت ملكاً وغيرهما.

وقرأ الجمهور: " يوحَى إليهم " بالياء وفتح الحاء، وهي قراءة عاصم في رواية أبي بكر، وقرأ في رواية حفص: " نوحِي " بالنون وكسر الحاء وهي قراءة أبي عبد الرحمن وطلحة.

و { القرى }: المدن، وخصصها دون القوم المنتوين - أهل العمود - فإنهم في كل أمة أهل جفاء وجهالة مفرطة، قال ابن زيد: { أهل القرى } أعلم وأحلم من أهل العمود.

قال القاضي أبو محمد: فإنهم قليل نبلهم ولم ينشىء الله فيهم رسولاً قط. وقال الحسن: لم يبعث الله رسولاً قط من أهل البادية ولا من النساء ولا من الجن.

قال القاضي أبو محمد: والتبدي مكروه إلا في الفتن وحين يفر بالدين، كقوله عليه السلام " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً " الحديث. وفي ذلك أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمة بن الأكوع وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا تعرب في الإسلام " وقال: من " بدا جفا " وروى عنه معاذ بن جبل أنه قال: " الشيطان ذيب الإنسان كذيب الغنم يأخذ الشاة القاصية فإياكم والشعاب وعليكم بالمساجد والجماعات والعامة ".

قال القاضي أبو محمد: ويعترض هذا ببدو يعقوب، وينفصل عن ذلك بوجهين: أحدهما: أن ذلك البدو لم يكن في أهل عمود بل هو بتقر في منازل وربوع.

والثاني: أنه إنما جعله بدواً بالإضافة إلى مصر كما هي بنات الحواضر بدو بالإضافة إلى الحواضر.

ثم أحالهم على الاعتبار في الأمم السالفة في أقطار الأرض التي كذبت رسلها فحاق بها عذاب الله، ثم حض على الآخرة والاستعداد لها والاتقاء من الموبقات فيها، ثم وقفهم موبخاً بقوله: { أفلا تعقلون }.

وقوله: { ولدار الآخرة } زيادة في وصف إنعامه على المؤمنين، أي عذب الكفار ونجى المؤمنين، ولدار الآخرة أحسن لهم.

وأما إضافة " الدار " إلى { الآخرة } فقال الفراء: هي إضافة الشيء إلى نفسه كما قال الشاعر: [الوافر]

فإنك لو حللت ديار عبس   عرفت الذل عرفان اليقين
وفي رواية:

فلو أقوت عليك ديار إلخ.

وكما يقال: مسجد الجامع، ونحو هذا، وقال البصريون: هذه على حذف مضاف تقديره: ولدار الحياة الآخرة أو المدة الآخرة.

قال القاضي أبو محمد: وهذه الأسماء التي هي للأجناس كمسجد وثوب وحق وجبل ونحو ذلك - إذا نطق بها الناطق لم يدر ما يريد بها، فتضاف إلى معرف مخصص للمعنى المقصود فقد تضاف إلى جنس آخر كقولك: جبل أحد، وقد تضاف إلى صفة كقولك: مسجد الجامع وحق اليقين، وقد تضاف إلى اسم خاص كقولك جبل أحد ونحوه.

السابقالتالي
2 3