الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } * { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } * { أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

هاتان الآيتان تدلان أن الآية التي قبلهما فيها تعريض لقريش ومعاصري محمد عليه السلام، كأنه قال: فإخبارك بالغيوب دليل قائم على نبوتك، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون وإن كنت أنت حريصاً على إيمانهم، أي يؤمن من شاء الله. وقوله: { ولو حرصت } اعتراض فصيح.

وقوله: { وما تسألهم } الآية، توبيخ للكفرة وإقامة الحجة عليهم، أي ما أسفههم في أن تدعوهم إلى الله دون أن تبغي منهم أجراً فيقول قائل: بسبب الأجر يدعوهم.

وقرأ مبشر بن عبيد: " وما نسألهم " بالنون.

ثم ابتدأ الله تعالى الإخبار عن كتابة العزيز. أنه ذكر وموعظة لجميع العالم - نفعنا الله به ووفر حظنا منه بعزته -.

وقرأت الجماعة " وكأيّن " بهمز الألف وشد الياء، قال سيبويه: هي كاف التشبيه اتصلت بأي، ومعناها معنى كم في التكثير. وقرأ ابن كثير " وكائن " بمد الألف وهمز الياء، وهو من اسم الفاعل من كان، فهو كائن ولكن معناه معنى كم أيضاً. وقد تقدم استعاب القراءات في هذه الكلمة في قوله:وكأين من نبي قتل } [آل عمران: 146].

والـ { آيه } هنا المخلوقات المنصوبة للاعتبار والحوادث الدالة على الله سبحانه في مصنوعاته، ومعنى { يمرون عليها } الآية - أي إذا جاء منها ما يحس أو يعلم في الجملة لم يتعظ الكافر به، ولا تأمله ولا أعتبر به بحسب شهواته وعمهه، فهو لذلك كالمعرض، ونحو هذا المعنى قول الشاعر: [الطويل]

تمر الصبا صفحاً بساكن ذي الغضا   ويصدع قلبي أن يهب هبوبها
وقرأ السدي " والأرضَ " بالنصب بإضمار فعل، والوقف - على هذا - في { السماوات } وقرأ عكرمة وعمرو بن فائد " والأرضُ " بالرفع على الابتداء، والخبر قوله: { يمرون } وعلى القراءة بخفض " الأرضِ " فـ { يمرون } نعت الآية. وفي مصحف عبد الله: " والأرض يمشون عليها ". وقوله: { وما يؤمن أكثرهم } الآية، قال ابن عباس: هي في أهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ثم يشركون من حيث كفروا بنبيه، أو من حيث قالوا عزير ابن الله، والمسيح ابن الله. وقال عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد هي في كفار العرب، وإيمانهم هو إقرارهم بالخالق والرازق والمميت، فسماه إيماناً وإن أعقبه إشراكهم بالأوثان والأصنام -فهذا الإيمان لغوي فقط من حيث هو تصديقها. وقيل: هذه الآية نزلت بسبب قول قريش في الطواف والتلبية: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع أحدهم يقول: لبيك لا شريك لك، يقول له: قط قط، أي قف هنا ولا تزد: إلا شريك هو لك.

والـ { غاشية } ما يغشي ويغطي ويغم، وقرأ أبو حفص مبشر بن عبد الله: " يأتيهم الساعة بغتة " بالياء، و { بغتة } معناه: فجأة، وذلك أصعب، وهذه الآية من قوله: { وكأين } وإن كانت في الكفار -بحكم ما قبلها - فإن العصاة يأخذون من ألفاظها بحظ، ويكون الإيمان حقيقة والشرك لغوياً كالرياء، فقد قال عليه السلام:

السابقالتالي
2