الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } * { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } * { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ }

" الآيات ": العلامات، و " السلطان ": البرهان والبيان في الحجة؛ قيل: هو مشتق من السليط الذي يستضاء به، وقيل: من أنه مسلط على كل مناو ومخاصم، و " الملأ ": الجمع من الرجال والمعنى: أرسلناه إليهم ليؤمنوا بالله تعالى، فصدهم فرعون فاتبعوا أمره ولم يؤمنوا وكفروا، ثم أخبر تعالى عن أمر فرعون أنه ليس { برشيد } أي ليس بمصيب في مذهبه ولا مفارق للسفاهة.

وقوله: { يقدم قومه يوم القيامة } الآية، أخبر الله تعالى في هذه الآية عن فرعون أنه يأتي يوم القيامة مع قومه المغرقين معه، وهو يقدمهم إلى النار: وأوقع الفعل الماضي في { أوردهم } موقع المستقبل، لوضوح الأمر وارتفاع الإشكال عنه، ووجه الفصاحة من العرب في أنها تضع أحياناً الماضي موضع المستقبل أن الماضي أدل على وقوع الفعل وحصوله، و " الورود " في هذه الآية هو ورود الدخول وليس بورود الإشراف على الشيء والإشفاء كقوله تعالى:ولما ورد ماء مدين } [القصص: 23] وقال ابن عباس: في القرآن أربعة أوراد:وإن منكم إلا واردها } [مريم: 71] وقوله:ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً } [مريم: 86] وهذه في مريم، وفي الأنبياء:إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } [الأنبياء: 98] قال: وهي كلها ورد دخول، ثم ينجي الله الذين اتقوا و { المورود } صفة لمكان الورد - على أن التقدير: { وبئس } مكان { الورد المورود } - وقيل: { المورود } ابتداء والخبر مقدم، والمعنى: المورود بئس الورد.

وقوله: { في هذه } يريد دار الدنيا، و " اللعنة " إبعادهم بالغرق والاستئصال وقبيح الذكر غابر الدهر، وقوله: { ويوم القيامة } أي يلعنون أيضاً بدخولهم في جهنم، قال مجاهد: فلهم لعنتان، وذهب قوم إلى أن التقسيم هو أن لهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة بئس ما يرفدون به فهي لعنة واحدة أولاً، وقبح إرفاد آخراً، وقوله: { بئس الرفد المرفود } أي بئس العطاء المعطى لهم، و { الرفد } في كلام العرب: العطية وسمي العذاب هنا رفداً لأن هذا هو الذي حل محل الرفد، وهذا كما تقول: يا فلان لم يكن خيرك إلا أن تضربني أي لم يكن الذي حل محل الخير منك، والإرفاد: المعونة. ومنه رفادة قريش: معونتهم لفقراء الحج بالطعام الذي كانوا يطعمونه في الموسم.

وقوله: { ذلك من أنباء الغيب } الآية، { ذلك } إشارة إلى ما تقدم من ذكر العقوبات النازلة بالأمم المذكورة، و " الأنباء " الأخبار. و { القرى } يحتمل أن يراد بها القرى التي ذكرت في الآيات المتقدمة خاصة، ويحتمل أن يريد القرى عامة، أي هذه الأنباء المقصوصة عليك هي عوائد المدن إذا كفرت، فيدخل - على هذا التأويل - فيها المدن المعاصرة، ويجيء قوله: { منها قائم وحصيد } منها عامر ودائر، وهذا قول ابن عباس: وعلى التأويل الأول - في أنها تلك القرى المخصوصة - يكون قوله: { قائم وحصيد } بمعنى قائم الجدرات ومتهدم لا أثر له، وهذا قول قتادة وابن جريج، والآية بجملتها متضمنة التخويف وضرب المثل للحاضرين من أهل مكة وغيرهم.