الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } * { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } * { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

{ لا يجرمنكم } معناه: لا يكسبنكم، يقال: جرمه كذا وكذا وأجرمه إذا أكسبه، كما يقال: كسب وأكسب بمعنى، ومن ذلك قول الشاعر:

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة   جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
وقرأ الجمهور " يَجرمنكم " بفتح الياء، وقرأ الأعمش وابن وثاب " يُجرمنكم " بضمها، و { شقاقي } معناه: مشاقتي وعداوتي، و { أن } مفعولة بـ { يجرمنكم }.

وكانت قصة قوم لوط أقرب القصص عهداً بقصة قوم شعيب، وقد يحتمل أن يريد وما منازل قوم لوط منكم ببعيد، فكأنه قال: وما قوم لوط منكم ببعيد بالمسافة، ويتضمن هذا القول ضرب المثل لهم بقوم لوط.

وقرأ الجمهور " مثلُ " بالرفع على أنه فاعل { يصبكم } وقرأ مجاهد والجحدري وابن أبي إسحاق " مثلَ " بالنصب، وذلك على أحد وجهين: إما أن يكون " مثل " فاعلاً، وفتحة اللام فتحة بناء لما أضيف لغير متمكن، فإن " مثل " قد يجري مجرى الظروف في هذا الباب وإن لمن يكن ظرفاً محضاً.

وإما أن يقدر الفاعل محذوفاً يقتضيه المعنى، ويكون " مثلَ " منصوباً على النعت لمصدر محذوف تقديره: إصابة مثل.

وقوله { واستغفروا } الآية، تقدم القول في مثل هذا من ترتيب هذا الاستغفار قبل التوبة. و { ودود } معناه: أن أفعاله ولطفه بعباده لما كانت في غاية الإحسان إليهم كانت كفعل من يتودد ويود المصنوع له.

وقوله تعالى: { قالوا: يا شعيب } الآية، { نفقه } معناه: نفهم وهذا نحو قول قريشقلوبنا في أكنة } [فصلت: 5] ومعنى: " ما نفقه ما تقول " أي ما نفقه صحة قولك، وأما فقههم لفظه ومعناه فمتحصل، وروي عن ابن جبير وشريك القاضي في قولهم: { ضعيفاً } أنه كان ضرير البصر أعمى، وحكى الزهراوي: أن حمير تقول للأعمى: ضعيف، كما يقال له: ضرير، وقيل: كان ناحل البدن زمنه.

قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف ولا تقوم عليه حجة بضعف بصره أو بدنه؛ والظاهر من قولهم: { ضعيفاً } أنه ضعيف الانتصار والقدرة، وأن رهطه الكفرة كانوا يراعون فيه.

و " الرهط " جماعة الرجل، ومنه الراهطاء لأن اليربوع يعتصم به كما يفعل الرجل برهطه. و { لرجمناك } قيل: معناه بالحجارة - وهو الظاهر وقاله ابن زيد - وقيل معناه: { لرجمناك } بالسب - وبه فسر الطبري. وهذا أيضاً تستعمله العرب. ومنه قوله تعالى:لأرجمنك واهجرني ملياً } [مريم: 46]، وقولهم { بعزيز } أي بذي منعة وعزة ومنزلة في نفوسنا.

وقوله تعالى: { قال يا قوم ارهطي } الآية، " الظهري " الشيء الذي يكون وراء الظهر، وقد يكون الشيء وراء الظهر بوجهين: في الكلام، إما بأن يطرح، كما تقول: جعلت كلامي وراء ظهرك ودبر أذنك ومنه قول الفرزدق:


السابقالتالي
2