الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } * { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }

" الرسل " الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقالت فرقة: بدل إسرافيل عزرائيل - ملك الموت - وروي أن جبريل منهم كان مختصاً بإهلاك قرية لوط، وميكائيل مختصاً بتبشير إبراهيم بإسحاق. وإسرافيل مختصاً بإنجاء لوط ومن معه.

قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية تقضي باشتراكهم في البشارة بإسحاق وقالت فرقة - وهي الأكثر - " البشرى " هي بإسحاق. وقالت فرقة: " البشرى " هي بإهلاك قوم لوط.

وقوله: { سلاماً } نصب على المصدر، والعامل فيه فعل مضمر من لفظه كأنه قال: أسلم سلاماً، ويصح أن يكون: { سلاماً } حكاية لمعنى ما قالوه لا للفظهم - قاله مجاهد والسدي - فلذلك عمل فيه القول، كما تقول - الرجل قال: لا إله إلاَّ الله - قلت حقاً أو إخلاصاً؛ ولو حكيت لفظهم لم يصح أن تعمل فيه القول وقوله: { قال: سلام } حكاية للفظه، و { سلام } مرتفع إما على الابتداء، والخبر محذوف تقديره عليكم، وإما على خبر ابتداء محذوف تقديره أمري سلام، وهذا كقوله:فصبر جميل } [يوسف: 18] إما على تقدير فأمري صبر جميل، وإما على تقدير: فصبر جميل أجمل.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: " قالوا: سلاماً قال: سلاَم " وقرأ حمزة والكسائي: " قالوا سلاماً، قال: سلم " وكذلك اختلافهم في سورة الذاريات. وذلك على وجهين: يحتمل أن يريد به السلام بعينه، كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]

مررنا فقلنا ابه سلم فسلمت   كما اكتلّ بالبرق الغمام اللوائح
اكتلّ: اتخذ إكليلاً أو نحو هذا قال الطبري وروي: كما انكلّ - ويحتمل أن يريد بـ " السلم " ضد الحرب، تقول نحن سلم لكم.

وكان سلام الملائكة دعاء مرجواً - فلذلك نصب - وحيي الخليل بأحسن مما حيي وهو الثابت المتقرر ولذلك جاء مرفوعاً.

وقوله: { فما لبث أن جاء } يصح أن تكون { ما } نافية، وفي { لبث } ضمير إبراهيم وإن جاء في موضع نصب أي بأن جاء، ويصح أن تكون { ما } نافية وإن جاء بتأويل المصدر في موضع رفع بـ { لبث } أي ما لبث مجيئه، وليس في { لبث } على هذا ضمير إبراهيم، ويصح أن يكون { ما } بمعنى الذي وفي { لبث } ضمير إبراهيم - وإن جاء خبر { ما } أي فلبث إبراهيم مجيئه بعجل حنيذ، وفي أدب الضيف أن يجعل قراه من هذه الآية.

و " الحنيذ " بمعنى المحنوذ ومعناه بعجل مشوي نضج يقطر ماؤه، وهذا القطر يفصل الحنيذ من جملة المشويات، ولكن هيئة المحنوذ في اللغة الذي يغطى بحجارة أو رمل محمي أو حائل بينه وبين النار يغطى به والمعرض من الشواء الذي يصفف على الجمر؛ والمهضب: الشواء الذي بينه وبين النار حائل، يكون الشواء عليه لا مدفوناً له، والتحنيذ في تضمير الخيل هو أن يغطى الفرس بجل على جل لينتصب عرقه.

السابقالتالي
2 3 4