الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } * { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }

{ وإلى عاد } عطف على قولهإلى قومه } [هود: 25] في قصة نوح، و { عاد } قبيلة وكانت عرباً - فيما ذكر - و " هود " عليه السلام منهم، وجعله { أخاهم } بحسب النسب والقرابة؛ فإن فرضناه ليس منهم فالأخوة بحسب المنشأ واللسان والجيرة. وأما قول من قال هي أخوة بحسب النسب الآدمي فضعيف.

وقرأ جمهور الناس: " يا قومِ " بكسر الميم، وقرأ ابن محيصن: " يا قومُ " برفع الميم، وهي لغة حكاها سيبويه، وقرأ جمهور الناس: " غيرهُ " بالرفع على النعت أو البدل من موضع قوله: { من إله }. وقرأ الكسائي وحده بكسر الراء، حملاً على لفظ: { إله } وذلك أيضاً على النعت أو البدل ويجوز " غيرَه " نصباً على الاستثناء.

و { مفترون } معناه كاذبون أفحش كذب في جعلكم الألوهية لغير الله تعالى، والضمير في قوله: { عليه } عائد على الدعاء إلى الله تعالى، والمعنى: ما أجري وجزائي إلا من عند الله، ثم وصفه بقوله { الذي فطرني } فجعلها صفة رادة عليهم في عبادتهم الأصنام واعتقادهم أنها تفعل، فجعل الوصف بذلك في درج كلامه، منبهاً على أفعال الله تعالى، وأنه هو الذي يستحق العبادة، و " فطر " معناه اخترع وأنشأ، وقوله: { أفلا تعقلون } توقيف على مجال القول بأن غير الفاطر إلاه، ويحتمل أن يريد: { أفلا تعقلون } إذ لم أطلب عرضاً من أعراض الدنيا إني إنما أريد النفع لكم والدار الآخرة؛ والأول أظهر، و " الاستغفار " طلب المغفرة، وقد يكون ذلك باللسان، وقد يكون بإنابة القلب وطلب الاسترشاد والحرص على وجود المحجة الواضحة، وهذه أحوال يمكن أن تقع من الكفار، فكأنه قال لهم: اطلبوا غفران الله بالإنابة، وطلب الدليل في نبوتي، ثم توبوا بالإيمان من كفركم، فيجيء الترتيب على هذا مستقيماً وإلا احتيج في ترتيب التوبة بعد الاستغفار إلى تحيل كثير فإما أن يكون: { توبوا } أمراً بالدوام، و " الاستغفار " طلب المغفرة بالإيمان، وإلى هذا ذهب الطبري، وقال أبو المعالي في الإرشاد: " التوبة " في اصطلاح المتكلمين هي الندم، بعد أن قال: إنها في اللغة الرجوع، ثم ركب على هذا أن قال إن الكافر إذا آمن ليس إيمانه توبة وإنما توبته ندمه بعد.

قال القاضي أبو محمد: والذي أقول: إن التوبة عقد في ترك متوب منه يتقدمها علم بفساد المتوب منه وصلاح ما يرجع إليه، ويقترن بها ندم على فارط المتوب منه لا ينفك منه وهو من شروطها؛ فأقول إن إيمان الكافر هو توبته من كفره، لأنه هو نفس رجوعه، و " تاب " في كلام العرب معناه رجع إلى الطاعة والمثلى من الأمور، وتصرف اللفظة في القرآن بـ " إلى " يقتضي أنها الرجوع لا الندم، وإنما لا حق لازم للتوبة كما قلنا، وحقيقة التوبة ترك مثل ما تيب منه عن عزمة معتقدة على ما فسرناه، والله المستعان.

السابقالتالي
2