الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ }

المعنى { وقال } نوح - حين أمر بالحمل في السفينة - لمن آمن معه: { اركبوا فيها }؛ فأنث الضمير، إذ هي سفينة لأن الفلك المذكور مذكر.

وفي مصحف أبيّ " على اسم الله ". وقوله: { بسم الله } يصح أن يكون في موضع الحال من الضمير الذي في قوله: { اركبوا } كما تقول: خرج زيد بثيابه وبسلاحه، أي اركبوا متبركين بالله تعالى، ويكون قوله: { مجراها ومرساها } ظرفين، أي وقت إجرائها وإرسائها. كما تقول العرب: الحمد لله سرارك وإهلالك وخفوق النجم ومقدم الحاج، فهذه ظرفية زمان، والعامل في هذا الظرف ما في { بسم الله } من معنى الفعل، ويصح أن يكون قوله: { بسم الله } في موضع خبر و { مجراها ومرساها } ابتداء مصدران كأنه قال: اركبوا فيها فإن ببركة الله إجراءها وإرساءها، وتكون هذه الجملة - على هذا - في موضع حال من الضمير في قوله { فيها } ، ولا يصح أن يكون حالاً من الضمير في قوله: { اركبوا } لأنه لا عائد في الجملة يعود عليه: وعلى هذا التأويل قال الضحاك: إن نوحاً كان إذا أراد جري السفينة قال: { بسم الله } ، فتجري وإذا أراد وقوفها قال: { بسم الله } فتقف.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم - في رواية أبي بكر وابن عامر: " مُجراها ومُرساها " بضم الميمين على معنى إجرائها وإرسائهما، وهي قراءة مجاهد وأبي رجاء والحسن والأعرج وشيبة وجمهور الناس، ومن ذلك قول لبيد: [الكامل].

وعمرت حرساً قبل مجرا داحس   لو كان للنفس اللجوج خلود
وقرأ حمزة والكسائي وحفص بن عاصم: " مَجراها " بفتح الميم وكسر الراء، وكلهم ضم الميم من " مُرساها " وقرأ الأعمش وابن مسعود " مَجراها ومَرساها " بفتح الميمين، وذلك من الجري والرسو؛ وهذه ظرفية مكان، ومن ذلك قول عنترة: [الكامل]

فصبرت نفساً عند ذلك حرة   ترسو إذا نفس الجبان تطلع
واختار الطبري قراءة " مَجراها " بفتح الميم الأولى وضم الثانية، ورجحها بقوله تعالى: { وهي تجري } ، ولم يقرأ أحد، " تجري " وهي قراءة ابن مسعود أيضاً رواها عنه أبو وائل ومسروق. وقرأ ابن وثاب وأبو رجاء العطاري والنخعي والجحدري والكلبي والضحاك بن مزاحم ومسلم بن جندب وأهل الشام: " مجريها ومرسيها " وهما على هذه القراءة صفتان لله تعالى عائدتان على ذكره في قوله { بسم الله }.

وقوله { إن ربي لغفور رحيم } تنبيه لهم على قدر نعم الله عليهم ورحمته لهم وستره عليهم وغفرانه ذنوبهم بتوبتهم وإنابتهم.

وقوله تعالى: { وهي تجري بهم } الآية، روي أن السماء أمطرت بأجمعها حتى لم يكن في الهواء جانب لا مطر فيه، وتفجّرت الأرض كلها بالنبع، فهكذا كان التقاء الماء، وروي أن الماء علا على الجبال وأعلى الأرض أربعين ذراعاً وقيل خمسة عشرة ذراعاً؛ وأشار الزجاج وغيره إلى أن الماء انطبق: ماء الأرض وماء السماء فصار الكل كالبحر.

السابقالتالي
2