الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } * { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } * { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } * { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

تقدم استيعاب القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، وتختص هذه بأن قيل إن الرحمن فرقت حروفه فيها وفيحم } [غافر: 1، فصلت: 1، الشورى: 1، الزخرف:1، الدخان:1، الجاثية:1، الأحقاف:1] وفين والقلم } [القلم:1].

و { كتاب } مرتفع على خبر الابتداء، فمن قال الحروف إشارة إلى حروف المعجم كانت الحروف المبتدأ، ومن تأول الحروف غير ذلك كان المبتدأ " هذا كتاب "؛ والمراد بالكتاب القرآن.

و { أحكمت } معناه أتقنت وأجيدت شبه تحكم الأمور المتقنة الكاملة، وبهذه الصفة كان القرآن في الأزل ثم فصل بتقطيعه وتنويع أحكامه وأوامره على محمد صلى الله عليه وسلم في أزمنة مختلفة فـ { ثم } على بابها، وهذه طريقة الإحكام والتفصيل إذ الإحكام صفة ذاتية، والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له، والكتاب بأجمعه محكم مفصل والإحكام الذي هو ضد النسخ والتفصيل الذي هو خلاف الإجمال إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك. وحكى الطبري عن بعض المتأولين: أحكمت بالأمر والنهي وفصلت بالثواب والعقاب؛ وعن بعضهم: أحكمت من الباطل، وفصلت بالحلال والحرام ونحو هذا من التخصيص الذي هو صحيح المعنى ولكن لا يقتضيه اللفظ، وقال قوم: { فصلت } معناه فسرت، وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري وابن كثير - فيما روي عنه -: " ثم فَصَلَت " بفتح الفاء والصاد واللام، ويحتمل ذلك معنيين: أحدهما: " فَصَلَت " أي نزلت إلى الناس كما تقول فصل فلان لسفره ونحو هذا المعنى. والثاني فَصَلَت بين المحق والمبطل من الناس.

و { من لدن } معناها من حيث ابتدئت الغاية، كذا قال سيبويه وفيها لغات: يقال: لدُن ولدْن بسكون الدال: وقرىء بهما. { من لدن } ، ويقال: " لَدُ ": بفتح اللام وضم الدال دون نون، ويقال " لدا " بدال منونة مقصورة. ويقال " لَدٍ " بدال مكسورة منونة، حكى ذلك أبو عبيدة.

و { حكيم } أي محكم،و { خبير } أي خبرة بالأمور أجمع، { أن لا تعبدوا } { أن } في موضعع نصب إما على إضمار فعل وإما على تقدير بـ " أن " وإسقاط الخافض، وقيل على البدل من موضع الآيات، وهذا معترض ضعيف لأنه موضع للآيات، وإن نظر موضع الجملة فهو رفع: ويحتمل أن تكون في موضع رفع على تقدير: تفصيله ألا تعبدوا وقيل: على البدل من لفظ الآيات.

وقوله تعالى: { إنني لكم منه نذير وبشير } أي من عقابه وبثوابه: وإذا أطلقت هاتان اللفظتان فالنذارة في المكروه والبشارة في المحبوب وقدم النذير لأن التحذير من النار هو الأهم و { إن } معطوفة على التي قبلها.

ومعنى الآية: استغفروا ربكم أي اطلبوا مغفرته لكم وذلك بطلب دخولكم في الإسلام ثم توبوا من الكفر أي انسلخوا منه واندموا على سالفه.

السابقالتالي
2