الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } * { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }

هذه آية قصص فيه تمثيل لقريش وكفار العرب وإعلام محمد صلى الله عليه وسلم ببدع من الرسل. وروي أن نوحاً عليه السلام أول رسول إلى الناس. وروي أن ادريس نبي من بني آدم إلا أنه لم يرسل، فرسالة نوح إنما كانت إلى قومه كسائر الأنبياء، وأما الرسالة العامة فلم تكن إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم.

وقرأ نافع وابن عامر وحمزة " إني " بكسر الألف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي " أني " بفتح الألف. فالكسر على إضمار القول، والمعنى: قال لهم: { إني لكم نذير مبين } ، ثم يجيء قوله { أن لا تعبدوا } محمولاً لـ { أرسلنا } ، أي أرسلنا نوحاً بأن لا تعبدوا إلا الله، واعترض اثناء الكلام بقوله: { إني لكم نذير مبين } ، وفتح الألف على إعمال { أرسلنا } في " أن " أي بأني لكم نذير. قال أبو علي: وفي هذه القراءة خروج من الغيبة إلى المخاطبة.

قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر، وإنما هي حكاية مخاطبته لقوله، وليس هذا حقيقة الخروج من غيبة إلى مخاطبة، ولو كان الكلام: أن أنذرهم ونحوه لصح ذلك.

و " النذير " المحفظ من المكاره بأن يعرفها وينبه عليها و { مبين } من أبان يبين.

وقوله { أن لا تعبدوا إلا الله } ظاهر في أنهم كانوا يعبدون الأوثان ونحوها، وذلك بين في غير هذه الآية.

و { أليم } معناه مؤلم، ووصف به اليوم وحقه أن يوصف به العذاب تجوزاً إذ العذاب في اليوم، فهو كقولهم: نهار صائم وليل قائم.

و { الملأ } الجمع والأكثر من القبيلة والمدينة ونحوه، ويسمى الأشراف ملأ إذ هم عمدة الملأ والسادّون مسدّه في الآراء والأمور، وكل جماعة كبيرة ملأ.

ولما قال لهم نوح: { إني لكم نذير... } قالوا: { ما نراك إلا بشراً مثلنا... } أي والله لا يبعث رسولاً من البشر، فأحالوا الجائز على الله تعالى.

و " الأراذل " جمع أرذل، وقيل جمع أرذل وأرذال جمع رذل وكان اللازم على هذا أن يقال: أراذيل؛ وإذا ثبتت الياء في جمع صيرف فأحرى ألا تزال في موضع استحقاقها. وهم سفلة الناس ومن لا أخلاق له، ولا يبالي ما يقول ولا ما يقال له.

وقرأ الجمهور " بادي الرأي " بياء دون همز، من بدا يبدو، ويحتمل أن يكون من بدأ مسهلاً، وقرأ أبو عمرو وعيسى الثقفي " بادىء الرأي " بالهمز من بدأ يبدأ.

قال القاضي أبو محمد: وبين القراءتين اختلاف في المعنى يعطيه التدبر، فتركت التطويل ببسطه، والعرب تقول: أما بادىء بدء فإني أحمد الله، وأما بادي بدي بغير همز فيهما، وقال الراجز: [الرجز]

أضحى لخالي شبهي بادي بدي   وصار للفحل لساني ويدي

السابقالتالي
2