الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ }

قوله: { ومن } استفهام بمعنى التقرير، وكأنه قال: لا أحد أظلم ممن افترى كذباً، والمراد بـ { من } الكفرة الذين يدعون مع الله إلهاً آخر ويفترون في غير ما شيء، وقوله: { أولئك يعرضون على ربهم } عبارة عن الإشادة بهم والتشهير لخزيهم وإلا فكل بشر معروض على الله يوم القيامة.

وقوله: { يقول الأشهاد } قالت فرقة: يريد الشهداء من الأنبياء والملائكة، فيجيء قوله: { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم } إخباراً عنهم وشهادة عليهم وقالت فرقة: { الأشهاد } بمعنى الشاهدين، ويريد جميع الخلائق، وفي ذلك إشادة بهم، وروي في نحو هذا حديث: " إنه لا يخزى أحد يوم القيامة إلا ويعلم ذلك جميع من شهد المحشر " فيجيء قوله: { هؤلاء } - على هذا التأويل - استفهاماً عنهم وتثبيتاً فيهم كما تقول إذا رأيت مجرماً قد عوقب: هذا هو الذي فعل كذا وإن كنت قد علمت ذلك، ويحتمل الإخبار عنهم.

وقوله: { ألا } استفتاح كلام، و " اللعنة " الإبعاد و { الذين } نعت لـ { الظالمين }؛ ويحتمل الرفع على تقدير هم الذين، و { يصدون } يحتمل أن يقدر متعدياً على معنى: يصدون الناس ويمنعونهم من سبيل الله، ويحتمل أن يقدر غير متعد على معنى يصدون هم، أن يعرضون. و { سبيل الله } شريعته، و { يبغونها } معناه يطلبون لها كما تقول بغيتك خيراً أو شراً أي طلبت لك، و { عوجاً } على هذا مفعول: ويحتمل أن يكون المعنى: ويبغون السبيل على عوج، أي فهم لا يهتدون أبداً فـ { عوجاً } على هذا مصدر في موضع الحال، والعوج الانحراف والميل المؤدي إلى الفساد، وكرر قوله: { هم } على جهة التأكيد، وهي جملة في موضع خبر الابتداء الأول: وليس هذا موضع الفصل لأن الفصل إنما يكون بين معرفتين، أو معرفة وفكرة تقارب المعرفة، لأنها تفصل ما بين أن يكون ما بعدها صفة أو خبراً وتخلصه للخبر. و { معجزين } معناه: مفلتين لا يقدر عليهم. وخص ذكر { الأرض } لأن تصرف ابن آدم وتمتعه إنما هو فيها وهي قصاراه لا يستطيع النفوذ منها. وقوله: { وما كان لهم من دون الله من أولياء } يحتمل معنيين:

أحدهما: أن نفي أن يكون لهم ولي أو ناصر كائناً من كان.

والثاني: أن يقصد وصف الأصنام والآلهة بأنهم لم يكونوا أولياء حقيقة، وإن كانوا هم يعتقدون أنهم أولياء.

ثم أخبر أنهم يضاعف لهم العذاب يوم القيامة، أي يشدد حتى يكون ضعفي ما كان. و { يضاعف } فعل مستأنف وليس بصفة.

وقوله: { وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون } يحتمل خمسة أوجه:

أحدها: أن يصف هؤلاء الكفار بهذه الصفة على معنى أن الله ختم عليهم بذلك، فهم لا يسمعون سماعاً ينتفعون به ولا يبصرون كذلك.

السابقالتالي
2