الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

اختلف المتأولون في المراد بقوله { أفمن } فقالت فرقة: المراد بذلك المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقالت فرقة المراد محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. وقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك وابن عباس: المراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون جميعاً.

وكذلك اختلف في المراد بـ " البيّنة " فقالت فرقة: المراد بذلك القرآن، أي على جلية بسبب القرآن، وقالت فرقة: المراد محمد صلى الله عليه وسلم والهاء في " البيّنة " للمبالغة كهاء علامة ونسابة.

وكذلك اختلف في المراد بـ " الشاهد " فقال ابن عباس وإبراهيم النخعي ومجاهد والضحاك وأبو صالح وعكرمة: هو جبريل.

وقال الحسين بن علي: هو محمد صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد أيضاً: هو ملك وكّله الله بحفظ القرآن.

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد بهذه الألفاظ جبريل.

وقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة: هو لسان النبي صلى الله عليه وسلم. وقالت فرقة: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وروي ذلك عنه، وقالت فرقة: هو الإنجيل، وقالت فرقة: هو القرآن، وقالت فرقة: هو إعجاز القرآن.

قال القاضي أبو محمد: ويتصرف قوله { يتلوه } على معنيين: بمعنى يقرأ، وبمعنى يتبعه، وتصرفه بسبب الخلاف المذكور في " الشاهد " ولنرتب الآن اطراد كل قول وما يحتمل.

فإذا قلنا إن قوله: " أفمن " يراد به المؤمنون: فإن جعلت بعد ذلك " البيّنة " محمد صلى الله عليه وسلم صح أن يترتب " الشاهد " الإنجيل ويكون { يتلوه } بمعنى يقرأه، لأن الإنجيل يقرأ شأن محمد صلى الله عليه وسلم وأن يترتب جبريل عليه السلام ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه أي في تبليغ الشرع والمعونة فيه وأن يترتب الملك ويكون الضمير في { منه } عائداً على البيّنة التي قدرناها محمداً صلى الله عليه وسلم وأن يترتب القرآن ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه، ويعود الضمير في { منه } على الرب.

وإن جعلنا " البيّنة " القرآن على أن { أفمن } هم المؤمنون - صح أن يترتب " الشاهد " محمد صلى الله عليه وسلم، وصح أن يترتب الإنجيل وصح أن يترتب جبريل والملك، ويكون { يتلوه } بمعنى يقرأه: وصح أن يترتب " الشاهد " الإعجاز، ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه، ويعود الضمير في { منه } على القرآن.

وإذا جعلنا { أفمن } للنبي صلى الله عليه وسلم، كانت " البيّنة " القرآن، وترتب " الشاهد " لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وترتب الإنجيل، وترتب جبريل والملك، وترتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وترتب الإعجاز. ويتأول { يتلوه } بحسب " الشاهد " كما قلنا ولكن هذا القول يضعفه قوله { أولئك } فإنا إذا جعلنا قوله: { أفمن } للنبي صلى الله عليه وسلم وحده لم نجد في الآية مذكورين يشار إليهم بذلك ونحتاج في الآية إلى تجوز وتشبيه بقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3