اختلف المتأولون في المراد بقوله { أفمن } فقالت فرقة: المراد بذلك المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقالت فرقة المراد محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. وقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك وابن عباس: المراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون جميعاً. وكذلك اختلف في المراد بـ " البيّنة " فقالت فرقة: المراد بذلك القرآن، أي على جلية بسبب القرآن، وقالت فرقة: المراد محمد صلى الله عليه وسلم والهاء في " البيّنة " للمبالغة كهاء علامة ونسابة. وكذلك اختلف في المراد بـ " الشاهد " فقال ابن عباس وإبراهيم النخعي ومجاهد والضحاك وأبو صالح وعكرمة: هو جبريل. وقال الحسين بن علي: هو محمد صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد أيضاً: هو ملك وكّله الله بحفظ القرآن. قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد بهذه الألفاظ جبريل. وقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة: هو لسان النبي صلى الله عليه وسلم. وقالت فرقة: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وروي ذلك عنه، وقالت فرقة: هو الإنجيل، وقالت فرقة: هو القرآن، وقالت فرقة: هو إعجاز القرآن. قال القاضي أبو محمد: ويتصرف قوله { يتلوه } على معنيين: بمعنى يقرأ، وبمعنى يتبعه، وتصرفه بسبب الخلاف المذكور في " الشاهد " ولنرتب الآن اطراد كل قول وما يحتمل. فإذا قلنا إن قوله: " أفمن " يراد به المؤمنون: فإن جعلت بعد ذلك " البيّنة " محمد صلى الله عليه وسلم صح أن يترتب " الشاهد " الإنجيل ويكون { يتلوه } بمعنى يقرأه، لأن الإنجيل يقرأ شأن محمد صلى الله عليه وسلم وأن يترتب جبريل عليه السلام ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه أي في تبليغ الشرع والمعونة فيه وأن يترتب الملك ويكون الضمير في { منه } عائداً على البيّنة التي قدرناها محمداً صلى الله عليه وسلم وأن يترتب القرآن ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه، ويعود الضمير في { منه } على الرب. وإن جعلنا " البيّنة " القرآن على أن { أفمن } هم المؤمنون - صح أن يترتب " الشاهد " محمد صلى الله عليه وسلم، وصح أن يترتب الإنجيل وصح أن يترتب جبريل والملك، ويكون { يتلوه } بمعنى يقرأه: وصح أن يترتب " الشاهد " الإعجاز، ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه، ويعود الضمير في { منه } على القرآن. وإذا جعلنا { أفمن } للنبي صلى الله عليه وسلم، كانت " البيّنة " القرآن، وترتب " الشاهد " لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وترتب الإنجيل، وترتب جبريل والملك، وترتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وترتب الإعجاز. ويتأول { يتلوه } بحسب " الشاهد " كما قلنا ولكن هذا القول يضعفه قوله { أولئك } فإنا إذا جعلنا قوله: { أفمن } للنبي صلى الله عليه وسلم وحده لم نجد في الآية مذكورين يشار إليهم بذلك ونحتاج في الآية إلى تجوز وتشبيه بقوله تعالى: