الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } * { وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

أمر النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة وهو عليها إنما هو أمر بالدوام والثبوت، وهذا كما تأمر إنساناً بالمشي والأكل ونحوه وهو ملتبس به. والخطاب بهذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين تابوا من الكفر، ولسائر أمته بالمعنى، وروي أن بعض العلماء رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له: يا رسول الله بلغنا عنك أنك قلت: شيبتني هود وأخواتها فما الذي شيبك من هود؟ قال له: قوله تعالى: { فاستقم كما أمرت }.

قال القاضي أبو محمد: والتأويل المشهور في قوله عليه السلام: شيبتني هود وأخواتها - أنها إشارة إلى ما فيها مما حل بالأمم السابقة، فكان حذره على هذه الأمة مثل ذلك شيبه عليه السلام.

وقوله: { أمرت } مخاطبة تعظيم، وقوله: { ومن } معطوف على الضمير في قوله: { فاستقم } ، وحسن ذلك دون أن يؤكد لطول الكلام بقوله: { كما أمرت }. و { لا تطغوا } معناه: ولا تتجاوزوا حدود الله تعالى، و " الطغيان ": تجاوز الحد ومنه قوله:طغى الماء } [الحاقة: 11] وقوله في فرعون:إنه طغى } [طه: 24-43، النازعات: 17]، وقيل في هذه معناه: ولا تطغينكم النعم، وهذا كالأول.

وقرأ الجمهور " تعملون " بتاء، وقرأ الحسن والأعمش " يعملون " بياء من تحت - وقرأ الجمهور: " ولا تركَنوا " بفتح الكاف، وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة والأشهب العقيلي وأبو عمرو - فيما روى عنه هارون - بضمها، وهو لغة، يقال: ركن يركَن وركن يركُن، ومعناه السكون، إلى شيء والرضا به قال أبو العالية: " الركون ": الرضا. قال ابن زيد: " الركون ": الإدمان.

قال القاضي أبو محمد: فالركون يقع على قليل هذا المعنى وكثيره، والنهي هنا يترتب من معنى الركون على الميل إليهم بالشرك معهم إلى أقل الرتب من ترك التغيير عليهم مع القدرة، و { الذين ظلموا } هنا هم الكفار، وهو النص للمتأولين، ويدخل بالمعنى أهل المعاصي.

وقرأ الجمهور " فتَمسكم " ، وقرأ يحيى وابن وثاب وعلقمة والأعمش وابن مصرف وحمزة - فيما روي عنه - " فتِمسكم " بكسر التاء وهي لغة في كسر العلامات الثلاث دون الياء التي للغائب، وقد جاء في الياء يِيجل ويِيبى، وعللت هذه بأن الياء التي وليت الأولى ردتها إلى الكسر.

وقوله تعالى: { أقم الصلاة } الآية، لم يختلف أحد في أن { الصلاة } في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة، واختلف في { طرفي النهار } وزلف الليل فقيل: الطرف الأول الصبح، والثاني الظهر والعصر والزلف المغرب والعشاء، قاله مجاهد ومحمد بن كعب القرظي وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المغرب والعشاء: " هما زلفتا الليل "

السابقالتالي
2 3