الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

لفظ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى له ولأمته، ولم يقع لأحد شك فيقع عنه نهي ولكن من فصاحة القول في بيان ضلالة الكفرة إخراجه في هذه العبارة، أي حالهم أوضح من أن يمترى فيها، والـ { مرية }: الشك، و { هؤلاء } إشارة إلى كفار العرب عبدة الأصنام؛ ثم قال: { ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل }. المعنى: أنهم مقلدون لا برهان عندهم ولا حجة، وإنما عبادتهم تشبهاً منهم بآبائهم لا عن بصيرة؛ وقوله: { وإنَّا لموفوهم نصيبهم غير منقوص } وعيد، ومعناه: العقوبة التي تقتضيها أعمالهم، ويظهر من قوله: { غير منقوص } أن على الأولين كفلاً من كفر الآخرين.

وقرأ الجمهور " لموَفّوهم " بفتح الواو وشد الفاء، وقرأ ابن محيصن " لموفوهم " بسكون الواو وتخفيف الفاء.

وقوله تعالى: { ولقد آتينا موسى الكتاب } الآية، تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم وذكر قصة موسى مثل له، أي لا يعظم عليك أمر من كذبك، فهذه هي سيرة الأمم، فقد جاء موسى، بكتاب فاختلف الناس عليه.

وقوله: { ولولا كلمة سبقت من ربك } إلى آخر الآية، يحتمل أن يريد به أمة موسى، ويحتمل أن يريد به معاصري محمد عليه السلام؛ وأن يعمهم اللفظ أحسن -عندي - ويؤكد ذلك قوله: { وإن كلاً } و " الكلمة " ها هنا عبارة عن الحكم والقضاء والمعنى { لقضي بينهم } أي لفصل بين المؤمن والكافر، بنعيم هذا وعذاب هذا.... ووصف " الشك " بالمريب تقوية لمعنى الشك.

وقرأ الكسائي وأبو عمرو: " وإنَّ كلاًّ لمَا " بتشديد النون وتخفيف الميم من { لما } وقرأ ابن كثير ونافع بتخفيفهما، وقرأ حمزة بتشديدهما، وكذلك حفص عن عاصم؛ وقرأ عاصم - في رواية أبي بكر - بتخفيف " إنْ " وتشديد الميم من " لمّا " وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم: " وإن كلاًّ لمَّاً " بتشديد الميم وتنوينها. وقرأ الحسن بخلاف: " وإنْ كلّ لما " بتخفيف " إن " ورفع " كلٌّ " وشد " لمّا " وكذلك قرأ أبان بن تغلب إلا أنه خفف " لما " ، وفي مصحف أبيّ وابن مسعود " وإن كل إلا ليوفينهم " وهي قراءة الأعمش، قال أبو حاتم: الذي في مصحف أبيّ: " وإن من كل إلا ليوفينهم أعمالهم ". فأما الأول فـ " إن " فيها على بابها، و " كلاًّ " اسمها، وعرفها أن تدخل على خبرها لام. وفي الكلام قسم تدخل لامه أيضاً على خبر " إن " فلما اجتمع لامان فصل بينهما بـ " ما " - هذا قول أبي علي - والخبر في قوله { ليوفينهم } ، وقال بعض النحاة: يصح أن تكون " ما " خبر " إن " وهي لمن يعقل لأنه موضع جنس وصنف، فهي بمنزلة من، كأنه قال: وإن كلاًّ لخلق ليوفينهم؛ ورجح الطبري هذا واختاره، اما أنه يلزم القول أن تكون " ما " موصوفة إذ هي نكرة، كما قالوا: مررت بما معجب لك، وينفصل بأن قوله: { ليوفينهم } يقوم معناه مقام الصفة، لأن المعنى: وإن كلاً لخلق موفى عمله، وأما من خففها - وهي القراءة الثانية في ترتيبنا فحكم " إن " وهي مخففة حكمها مثقلة، وتلك لغة فصيحة، حكى سيبويه أن الثقة أخبره: أنه سمع بعض العرب يقول: إن عمراً لمنطلق وهو نحو قول الشاعر:


السابقالتالي
2