الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

روي أن فرعون أخاف بني إسرائيل وهدم لهم مواضع كانوا اتخذوها للصلاة ونحو هذا، فأوحى الله إلى موسى وهارون أن اتخذا وتخيرا لبني إسرائيل بيوتاً بمصر، قال مجاهد: { مصر } في هذه الآية الإسكندرية، ومصر ما بين البحر إلى أسوان، والإسكندرية من أرض مصر، و { تبوّآ } معناه كما قلنا تخيراً واتخذا، وهي لفظة مستعملة في الأماكن وما يشبه بها، ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل ]

لها أمرها حتى إذا ما تبوأت   لأنحامها مرعى تبوأ مضجعا
وهذا البيت للراعي وبه سمى المراعي ومنه قول امرىء القيس: [الكامل ]

يتبوأون مقاعداً لقتالكم   كليوثِ غابٍ ليلهن زئير
وقرأ الناس " تبوّآ " بهمزة على تقدير تبوعا، وقرأ حفص في رواية هبيرة " تبويا " وهذا تسهيل ليس بقياسي، ولو جرى على القياس لكان بين الهمزة والألف، قوله { قبلة } ومعناه مساجد، قاله ابن عباس والربيع والضحاك والنخعي وغيرهم، قالوا: خافوا فأمروا بالصلاة في بيوتهم، وقيل يقابل بعضها بعضاً، قاله سعيد بن جبير والأول أصوب، وقيل معناه متوجهة إلى القبلة، قاله ابن عباس، ومن هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خير بيوتكم ما استقبل به القبلة " ، وقوله { وأقيموا الصلاة } خطاب لبني إسرائيل هذا قبل نزول التوراة لأنها لم تنزل إلا بعد إجازة البحر، وقوله { وبشر المؤمنين } أمر لموسى عليه السلام، وقال مكي والطبري هو أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا غير متمكن وقوله تعالى { وقال موسى } الآية، غضب من موسى على القبط ودعاء عليهم فقدم للدعاء تقرير نعم الله عليهم وكفرهم بها، و { آتيت } معناه أعطيت وملكت، وتكرر قوله { ربنا } استغاثة كما يقول الداعي بالله،وقوله { ليضلوا } يحتمل أن يكون لام كي على بابها على معنى آتيتهم الأموال إملاء لهم واستدراجاً فكان الإيتاء كي يضلوا ويحتمل أن تكون لام الصيرورة والعاقبة، كما قالفالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } [القصص: 8] والمعنى آتيتهم ذلك فصار أمرهم إلى كذا، وروي عن الحسن أنه قال: هو دعاء ويحتمل أن يكون المعنى على جهة الاستفهام أي ربنا ليضلوا فعلت ذلك، وفي هذا تقرير الشنعة عليهم.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفر ومجاهد وأبو رجاء وأهل مكة: " ليَضلوا " بفتح الياء على معنى ليضلوا في أنفسهم، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي والأعمش وقتادة وعيسى والحسن والأعرج بخلاف عنه " ليُضلوا " بضم الياء على معنى ليضلوا غيرهم، وقرأ الشعبي " ليِضلوا " بكسر الياء، وقرأ الشعبي أيضاً وغير " اطمُس " بضم الميم، وقرأت فرقة " اطمِس " بكسر الميم وهما لغتان، وطمس يطمس ويطمُس، قال أبو حاتم: وقراءة الناس بكسر الميم والضم لغة مشهورة، معناه عف وغيره وهو من طموس الأثر والعين وطمس الوجوه ومنه قول كعب بن زهير: [البسيط ]


السابقالتالي
2