الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } * { قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ }

يريد بـ { الحق } آيتي العصا واليد، ويدل على ذلك قولهم عندهما: هذا سحر ولم يقولوا ذلك إلا عندهما ولا تعاطوا إلا مقاومة العصا فهي معجزة موسى عليه السلام التي وقع فيها عجز المعارض، وقرأ جمهور الناس: " لسحر مبين " وقرأ سعيد بن جبير والأعمش: " لساحر مبين " ، ثم حكي عن موسى أنه وقفهم ووبخهم بقوله { أتقولون للحق لما جاءكم } ، ثم اختلف المتأولون في قوله { أسحر هذا } فقالت فرقة: هو حكاية من موسى عنهم على معنى أن قولهم كان { أسحر هذا } ، ثم اختلف في معنى قول قوم فرعون: { أسحر هذا } فقال بعضهم: قالها منهم كل مستفهم جاهل بالأمر، فهو يسأل عنه.

قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل يضعفه ما ذكر الله قبل عنهم من أنهم صمموا على أنه سحر بقولهم: { إن هذا لسحر مبين } ، وقال بعضهم بل قالوا ذلك على معنى التعظيم للسحر الذي رأوه بزعمهم كما تقول لفرس تراه يجيد الجري: أفرس هذا؟ على معنى التعجب منه والاستغراب وأنت قد علمت أنه فرس، وقالت فرقة غير هاتين: ليس ذلك حكاية من موسى عنهم بل القول الذي حكاه عنهم مقدر تقديره أتقولون للحق لما جاءكم سحر.

قال القاضي أبو محمد: أو نحو هذا من التقدير، ثم ابتدأ يوقفهم بقوله: { أسحر هذا } على جهة التوبيخ، ثم أخبرهم عن الله تعالى أن الساحرين لا يفلحون ولا يظفرون ببغية، ومثل هذا التقدير المحذوف على هذا التأويل موجود في كلام العرب، ومنه قول ذي الرمة:

فلما لبسن الليل أو حين نصّبت   له من خذا آذانها وهو جانح
يريد أو حين قاربن ذلك، ومنه قول الله تعالى:فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم } [الإسراء: 7] المعنى بعثناهم ليسوءوا، ومثل هذا كثير شائع، وقوله تعالى: { قالوا أجئتنا } الآية، المعنى قال قوم فرعون لموسى: أجئتنا لتصرفنا وتلوينا وتردنا عن دين آبائنا، ويقال لفت الرجل عن الآخر إذا لواه، ومنه قولهم: التفت فإنه افتعل من لفت عنقه، ومنه قول رؤبة: [الرجز ]

لفتاً وتهزيعاً سواء اللفت   
وقرأ السبعة سوى أبي عمرو فإنه اختلف عنه " وتكون " بالتاء من فوق وهي قراءة جمهور الناس، وقرأ الحسن بن أبي الحسن فيما زعم خارجة وإسماعيل، " ويكون " بالياء من تحت ورويت عن أبي عمرو وعن عاصم وهي قراءة ابن مسعود، و { الكبرياء }: مصدر مبالغ من الكبر، والمراد به في هذا الموضع الملك، وكذلك قال فيه مجاهد والضحاك وأكثر المتأولين، لأنه أعظم تكبر الدنيا، ومنه قول الشاعر [ابن الرقاع ]: [الخفيف ]

مؤددا غير فاحش لا تدانيـ   ـه تجبارة ولا كبرياء
وقوله { بمؤمنين } بمصدقين.