الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } * { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } * { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم والحسن وشيبة وغيرهم، " نحشرهم " بالنون، وقرأت فرقة: " يحشرهم " بالياء، والضمير في " يحشرهم " عائد على جميع الناس محسنين ومسيئين، و { مكانكم } نصب على تقدير لازموا مكانكم وذلك مقترن بحال شدة وخزي، و { مكانكم } في هذا الموضع من أسماء الأفعال إذ معناه قفوا واسكنوا، وهذا خبر من الله تعالى عن حالة تكون لعبدة الأوثان يوم القيامة يؤمرون بالإقامة في موقف الخزي مع أصنامهم ثم ينطق الله الأصمام بالتبري منهم. وقوله: { وشركاؤكم } ، أي الذين تزعمون أنتم أنهم شركاء لله، فأضافهم إليهم لأن كونهم شركاء إنما هو بزعم هؤلاء، وقوله { فزيلنا بينهم } معناه فرقنا في الحجة والمذهب وهو من زلت الشيء عن الشيء أزيله، وهو تضعيف مبالغة لا تعدية، وكون مصدر زيل تزييلاً، يدل على أن زيل إنما هو فعل لا فيعل، لأن مصدره كان يجيء على فيعلة، وقرأت " فزايلنا " ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكفار إذ رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب قيل لهم اتبعوا ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد هؤلاء فتقول الأصنام: والله ما كنا نسمع ولا نعقل: { ما كنتم إيانا تعبدون } فيقولون والله لإياكم كنا نعبد فتقول الألهة { كفى بالله شهيداً } الآية.

قال القاضي أبو محمد: وظاهر هذه الآية أن محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى بن مريم بدليل القول لهم { مكانكم أنتم وشركاؤكم } ودون فرعون ومن عبد من الجن بدليل قولهم { إن كنا عن عبادتكم لغافلين } ، وهؤلاء لم يغفلوا قط عن عبادة من عبدهم، و { أنتم } رفع بالابتداء والخبر موبخون أو مهانون، ويجوز أن يكون { أنتم } تأكيداً للضمير الذي في الفعل المقدر الذي هو قفوا أو نحوه. و { شهيداً } نصب على التمييز، وقيل على الحال، " وإنْ " هذه عند سيبويه هي مخففة موجبة حرف ابتداء ولزمتها اللام فرقاً بينها وبين " إن " النافية، وقال الفراء: " إن " بمعنى ما واللام بمعنى إلا، و { هنالك } نصب على الظرف، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر " تبلوا " بالباء بواحدة بمعنى اختبر، وقرأ حمزة والكسائي " تتلوا " بالتاء بنقطتين من فوق بمعنى تتبع أي تطلب وتتبع ما أسلفت من أعمالها، ويصح أن يكون بمعنى تقرأ كتبها التي ترفع إليها، وقرأ يحيى بن وثاب " ورِدوا " بكسر الراء والجمهور " وردوا إلى الله " ، أي ردوا إلى عقاب مالكهم وشديد بأسه، فهو مولاهم في الملك والإحاطة لا في الرحمة والنصر ونحوه.