الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ }

{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } يعني القرآن كناية عن غير مذكور، أنزله جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فوضعه في بيت العزة، ثم كان ينزل به جبريل عليه السلام نجوماً في عشرين سنة. ثم عجَّب نبيه فقال: { وَمَآ أَدْرَٰكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } ، سُميتْ ليلة القدر لأنها ليلة تقدير الأمور والأحكام، يقدر الله فيها أمر السنة في عباده وبلاده إلى السنة المقبلة، كقوله تعالى:فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان:4]، وهو مصدر قولهم: قَدَر الله الشيء بالتخفيف قَدْراً وقدَراً، كالنَّهْر والنَّهَر والشَّعْر والشَّعَر، وقدّره - بالتشديد - تقديراً وقَدَر بالتخفيف قدراً بمعنى واحد. قيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: بلى، قيل: فما معنى ليلة القدر؟ قال: سَوْق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر. وقال الأزهري: " ليلة القدر ": أي ليلة العظمة والشرف من قول الناس: لفلان عند الأمير قدر، أي جاه ومنزلة، يقال: قَدَرْتُ فلاناً أي عظمته. قال الله تعالى:وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [الأنعام: 91]، [الزمر: 67]، أي: ما عظموه حق تعظيمه. وقيل: لأن العمل الصالح فيه يكون ذا قدر عند الله لكونه مقبولاً. واختلفوا في وقتها فقال بعضهم: إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفعت، وعامة الصحابة والعلماء على أنها باقية إلى يوم القيامة. وروي عن عبد الله بن مكانس مولى معاوية قال: قلت لأبي هريرة: زعموا أن ليلة القدر قدْ رُفعتْ؟ قال: كذب من قال ذلك، قلت: هي في كل شهر أستقبله؟ قال: نعم. وقال بعضهم: هي ليلة من ليالي السنة حتى لو علَّق رجل طلاق امرأته وعتق عبده بليلة القدر لا يقع ما لم تمض سنة من حين حلف، يروى ذلك عن ابن مسعود، قال: من يقم الحول يُصِبْهَا فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن أما إنه علم أنها في شهر رمضان، ولكن أراد أن لا يتكل الناس. والجمهور من أهل العلم على أنها في شهر رمضان. واختلفوا في تلك الليلة قال أبو رزين العقيلي: هي أول ليلة من شهر رمضان. وقال الحسن: ليلة سبع عشرة، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر. والصحيح والذي عليه الأكثرون: أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا هارون بن إسحاق الهَمْداني حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت:

السابقالتالي
2 3 4