الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } * { وَطُورِ سِينِينَ } * { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } * { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } * { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } * { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } * { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ }

{ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } قال ابن عباس والحسن ومجاهد وإبراهيم وعطاء بن أبي رباح ومقاتل والكلبي: هو تينكم هذا الذي تأكلونه وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت. قيل: خصَّ التين بالقسم لأنها فاكهة مخلَّصة لا عجم لها، شبيهة بفواكه الجنة. وخص الزيتون لكثرة منافعه ولأنه شجرة مباركة جاء بها الحديث وهو ثمر ودهن يصلح للاصطباغ والاصطباح. وقال عكرمة: هما جبلان. قال قتادة: " التين ": الجبل الذي عليه دمشق و " الزيتون ": الجبل الذي عليه بيت المقدس لأنهما ينبتان التين والزيتون. وقال الضحاك: هما مسجدان بالشام. قال ابن زيد: " التين ": مسجد دمشق و " الزيتون ": مسجد بيت المقدس. وقال محمد بن كعب: " التين " مسجد أصحاب الكهف و " الزيتون ": مسجد إيليا. { وَطُورِ سِينِينَ } ، يعني الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام وذكرنا معناه عند قوله:وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } [المؤمنون: 20]. { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } ، أي الآمن، يعني مكة يأمن فيه الناس في الجاهلية والإسلام، هذه كلها أقسام والمقسَم عليه قوله: { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ، أي: أعدل قامة وأحسن صورة، وذلك أنه خلق كل حيوان منكبّاً على وجهه إلاّ الإنسان خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده مزيَّناً بالعقل والتمييز. { ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ } ، يريد إلى الهرم وأرذل العمر، فينقص عقله ويضعف بدنه، والسافلون: هم الضعفاء والزّمْنَى والأطفال، فالشيخ الكبير أسفل من هؤلاء جميعاً، " وأسفل سافلين " نكرة تعمُّ الجنس، كما تقول: فلان أكرم قائم فإذا عرَّفت قلت: أكرم القائمين. وفي مصحف عبد الله " أسفل السافلين ". وقال الحسن وقتادة ومجاهد: يعني ثم رددناه إلى النار، يعني إلى أسفل السافلين، لأن جهنم بعضها أسفل من بعض. قال أبو العالية: يعني إلى النار في شرِّ صورةٍ في صورة خنزير. ثم استثنى فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } ، فإنهم لا يردون إلى النار. ومن قال بالقول الأول قال: رددناه أسفل سافلين، فزالت عقولهم وانقطت أعمالهم، فلا يكتب لهم حسنة إلا الذين آمنوا. { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } ، فإنه يكتب لهم بعد الهرم، والخرف، مثل الذي كانوا يعملون في حال الشباب والصحة. قال ابن عباس: هم نفرٌ ردُوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى عذرهم. وأخبر أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم. قال عكرمة: لم يضر هذا الشيخ كبره إذ ختم الله له بأحسن ما كان يعمل. وروى عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } قال: " إلا الذين آمنوا قرؤوا القرآن، وقال: من قرأ القرآن لم يردَّ إلى أرذل العمر.

السابقالتالي
2