الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } * { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } * { وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } * { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } * { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ }

{ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } ، قال سعيد بن جبير وقتادة: أيظن أن الله لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه، وأين أنفقه؟ وقال الكلبي: إنه كان كاذباً في قوله أنفقت كذا وكذا، ولم يكن أنفق جميع ما قال يقول أيظن أن الله عزّ وجلّ لم ير ذلك منه فيعلم مقدار نفقته. ثم ذكره نِعَمَه ليعتبر فقال: { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } ، قال قتادة: نِعَمُ الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر وجاء في الحديث: " إن الله عزّ وجلّ يقول: ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين، فأطبق، وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك بطبقتين فأطبق ". { وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } ، قال: أكثر المفسرين طريق الخير والشر، والحق والباطل، والهدى والضلالة، كقوله: { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراًً } وقال محمد بن كعب عن ابن عباس: " وهديناه النجدين " قال: الثديين، وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك: والنجد: طريق في ارتفاع. { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } ، يقول: فهلاَّ أنفق ماله فيما يجوزُ به من فك الرقاب وإطعام السَّغْبَان، فيكون خيراً له من إنفاقه على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا قول ابن زيد وجماعة. وقيل: { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } أي لم يقتحمها ولا جاوزها. والاقتحام: الدخول في الأمر الشديد، وذكْرُ العقبة ها هنا مَثَلٌ ضربه الله لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، يقول: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة ولا طعام، وهذا معنى قول قتادة. وقيل: إنه شبَّه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة فإذا أعتق رقبة وأطعم كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها. وروي عن ابن عمر: أن هذه العقبة جبل في جهنم. وقال الحسن وقتادة: عقبة شديدة في النار دون الجسر، فاقتحموها بطاعة الله تعالى. وقال مجاهد والضحاك والكلبي: هي صراط يضرب على جهنم كحدِّ السيف مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلاً وصعوداً وهبوطاً، وإن بجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنها شوك السعدان، فناج مسلَّم، وناج مخدوش، ومكردس في النار منكوس، فمن الناس من يمرّ كالبرق الخاطف، ومنهم من يمرّ كالريح العاصف، ومنهم من يمرّ كالفارس، ومنهم من يمر عليه كالرجل يعدو، ومنهم من يمر كالرجل يسير، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم الزالُّون، ومنهم من يكردس في النار. قال ابن زيد: يقول فهلاَّ سلك الطريق التي فيها النجاة. ثم بيَّن ما هي فقال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } ، ما اقتحام العقبة، قال سفيان بن عيينة: كل شيء، قال: " وما أدراك " فإنه أخبر به، وما قال: " وما يدريك " فإنه لم يخبر به.

السابقالتالي
2