الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } * { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } ، أي: قنعوا بما قسم لهم الله ورسوله { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ } ، كافينا الله، { سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } ، ما نحتاج إليه { إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ } ، في أن يوسّع علينا من فضله، فيُغنينا عن الصدقة وغيرها من أموال الناس. وجواب { لو } محذوف، أي: لكان خيراً لهم وأعود عليهم. قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَـٰكِينِ } الآية، بيّن الله تعالى في هذه الآية أهل سهمان الصدقات وجعلها لثمانية أصناف. ورُوي عن زياد بن الحارث الصُّدَائِي قال: " أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتاه رجل قال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ الله لم يرضَ بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنتَ من تلك الأجزاء أعطيتك حقك ". قوله: { لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَـٰكِينِ }. فأحدُ أصناف الصدقة، الفقراءُ، والثاني: المساكين. واختلف العلماء في صفة الفقير والمسكين، فقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وعكرمة والزهري: الفقير الذي لا يسأل، والمسكين: الذي يسأل. وقال ابن عمر: ليس بفقير من جمع الدرهم إلى الدرهم والتمرة إلى التمرة، ولكن من أنقى نفسه وثيابه لا يقدر على شيء، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف. وقال قتادة: الفقير: المحتاج الزَّمِنُ، والمسكين: الصحيح المحتاج. وروي عن عكرمة أنه قال: الفقراء من المسلمين، والمساكين من أهل الكتاب. وقال الشافعي: الفقير من لاَ مَالَ له ولا حِرْفَة تقع منه موقعاً: زَمِناً كان أو غير زَمِن، والمسكين من كان له مال أو حرفة ولا يغنيه، سائلاً كان أو غير سائل، فالمسكين عنده أحسن حالاً من الفقير لأن الله تعالى قال:أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَـٰكِينَ } [الكهف: 79]، أثبت لهم ملكاً مع اسم المسكنة. وعند أصحاب الرأي: الفقير أحسن حالاً من المسكين. وقال القتيبي: الفقير: الذي له البُلْغَة من العيش، والمسكين: الذي لا شيء له. وقيل: الفقير من له المسكن والخادم، والمسكين من لا ملك له. وقالوا: كل محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه وإن كان غنياً عن غيره، قال الله تعالىٰ:يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ } [فاطر: 15]، والمسكين المحتاج إلى كل شيء ألا ترى كيف حض على إطعامه، وجعل طعام الكفارة له ولا فاقة أشد من الحاجة إلى سدّ الجوعة. وقال إبراهيم النخعي: الفقراء هم المهاجرون، والمساكين من لم يهاجر من المسلمين. وفي الجملة: الفقر والمسكنة عبارتان عن الحاجة وضعف الحال، فالفقير المحتاج الذي كسرت الحاجة فِقَار ظهره، والمسكين الذي ضعفت نفسه وسكنت عن الحركة في طلب القوت. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب، حدثنا عبد العزيز بن أحمد الخلاَّل، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا الربيع، أنبأنا الشافعي، أنبأنا سفيان بن عيينة عن هشام، يعني: ابنَ عروة، عن أبيه، عن عبيدالله بن عدي بن الخِيَار:

السابقالتالي
2 3 4 5