الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ } * { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } * { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ }

{ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ } ، والإِعجاب هو السرور بما يتعجب منه، يقول: لا تستحسن ما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد لأن العبد إذا كان من الله في استدراج كثّر الله ماله وولده، { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } ، فإن قيل أي تعذيب في المال والولد وهم يتنعمون بها في الحياة الدنيا؟ قيل: قال مجاهد وقتادة: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنّما يريد الله ليعذّبهم بها في الآخرة. وقيل: التعذيب بالمصائب الواقعة في المال والولد. وقال الحسن: يعذبهم بها في الدنيا بأخذ الزكاة منها والنفقة في سبيل الله. وقيل: يعذبهم بالتعب في جمعه، والوجل في حفظه، والكره في إنفاقه، والحسرة على تخليفه عند من لا يحمده، ثم يُقدم على مَلِكٍ لا يُعْذره. { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ } ، أي: تخرج، { وَهُمْ كَـٰفِرُونَ } ، أي: يموتون على الكفر. { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } ، أي: على دينكم، { وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } [يخافون أن يظهروا ما هم عليه]. { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً } ، حرزاً أو حصناً أو معقلاً. وقال عطاء: مهرباً، وقيل: قوماً يأمنون فيهم. { أَوْ مَغَـٰرَاتٍ } ، غِيرَاناً في الجبال، جمع مغارة وهو الموضع الذي يغور فيه، أي يستتر. وقال عطاء: سراديب. { أَوْ مُدَّخَلاً } ، موضع دخول فيه، وهو من أدخل يدخل، وأصله: مدتخل مفتعل، من أدخل يدخل. قال مجاهد: محرزاً. وقال قتادة: سرباً. وقال الكلبي: نفقاً في الأرض كنفق اليربوع. وقال الحسن: وجهاً يدخلونه على خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرىء: مَدْخلاً، بفتح الميم وتخفيف الدال، وكذلك قرأ يعقوب، { لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ } ، لأدبروا إليه هرباً منكم، { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } ، يسرعون في إباءٍ ونفورٍ ولا يردّ وجوهَهم شيء. ومعنى الآية: أنهم لو يجدون مخلصاً منكم ومهرباً لفارقوكم.