الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { فَإِذَا ٱنسَلَخَ } ، انقضى ومضى { ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } ، قيل: هي الأشهر الأربعة: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وقال مجاهد وابن إسحاق: هي شهور العهد، فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر، ومن لا عهد له: فأجله إلى انقضاء المحرم خمسون يوماً، وقيل لها " حُرُمٌ " لأن الله تعالى حرَّم فيها على المؤمنين دماءَ المشركين والتعرُّضَ لهم. فإن قيل: هذا القدر بعض الأشهر الحرم والله تعالى يقول: { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ }؟ قيل: لمّا كان هذا القدر متصلاً بما مضى أُطلق عليه اسم الجمع، ومعناه: مضت المدة المضروبة التي يكون معها انسلاخ الأشهر الحُرم. قوله تعالى: { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } ، في الحل والحرم، { وَخُذُوهُمْ } ، وأسروهم، { وَٱحْصُرُوهُمْ } ، أي: احبسوهم. قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد إن تَحَصَّنُوا فاحصروهم، أي: امنعوهم من الخروج. وقيل: امنعوهم من دخول مكة والتصرف في بلاد الإِسلام. { وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } ، أي: على كل طريق، والمرصد: الموضع الذي يرقب فيه العدو، من رصدتُ الشيء أرصده: إذا ترَّقْبتُه، يريد: كونوا لهم رصداً لتأخذوهم من أي وجهٍ توجهوا. وقيل: اقعدوا لهم بطريق مكة، حتى لا يدخلوها. { فَإِن تَابُواْ } ، من الشرك، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } ، يقول: دعوهم فليتصرفوا في أمصارهم ويدخلوا مكة، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } ، لمن تاب، { رَّحِيمٌ } به. وقال الحسين بن الفضل: هذه الآية نسخت كل آية في القرآن فيها ذكر الإِعراض والصبر على أذى الأعداء.