الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } ، هذا إعلام من الله عز وجلّ أنه المتكفّلُ بنصرِ رسوله وإعزاز دينه، أعانوه أو لم يعينوه وأنه قد نصره عند قلة الأولياء، وكثرة الأعداء، فكيف به اليوم وهو في كثرة من العَدَدِ والعُدَد، { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، من مكة حين مكروا به وأرادوا تبيينه وهمُّوا بقتله، { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } أي: هو أحد الاثنين، والاثنان: أحدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر أبو بكر الصديق رضي الله عنه، { إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ } ، وهو نقب في جبل ثور بمكة، { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } ، قال الشعبي: عاتب الله عزّ وجلّ أهل الأرض جميعاً في هذه الآية غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه. أخبرنا أبو المظفر محمد بن أحمد التميمي، أنبأنا محمد عبد الرحمن بن عثمان، أنبأنا خيثمة بن سليمان، حدثنا عبدالله بن أحمد الدَّورقي، حدثنا سعيد بن سليمان، عن علي بن هاشم عن كثير النَّوَّاء عن جُمَيْع بن عُمَيْر قال: أتيت ابن عمر رضي الله عنه فسمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: " أنت صاحبي في الغار، وصاحبي على الحوض ". قال الحسين بن الفضل: من قال إن أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر لإِنكاره نصَّ القرآن. وفي سائر الصحابة إذا أنكر يكون مبتدعاً،لا يكون كافراً. وقوله عزّ وجلّ: { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } لم يكن حزن أبي بكر جُبْناً منه، وإنّما كان إشفاقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: إن أقتل فأنا رجل واحد وإن قتلت هلكت الأمّة. ورُوي " أنه حين انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار جعل يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا بكر؟ قال: أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك، فلما انتهيا إلى الغار قال مكانك يا رسول الله حتى أستبرىء الغار، فدخل فاستبرأه ثم قال: انزل يا رسول الله، فنزل فقال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر ". أخبرنا أبو المظفر التميمي، أخبرنا محمد عبدالرحمن بن عثمان المعروف بابن أبي النظر، أخبرنا خيثمة بن سليمان، حدثنا أبو قلابة الرقاشي، حدثنا حيان بن هلال، حدثنا همام بن يحي، حدثنا ثابت البناني، حدثنا أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثهم، قال: " نظرتُ إلى أقدام المشركين فوق رؤوسنا ونحن في الغار فقلت: يا رسول الله لو أنّ أحدهم نظرَ تحتَ قدميه أبصرَنا، فقال: يا أبا بكر ما ظنّك باثنين اللَّهُ ثالثُهما ".

السابقالتالي
2 3 4 5