الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }

قوله: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من اليهود: سلام بن مشكم، والنعمان ابن أوفى وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا: كيف نتبعك وقد تركتَ قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيراً ابن الله؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }. قرأ عاصم والكسائي ويعقوب: { عزيرٌ } بالتنوين والآخرون بغير تنوين لأنه اسم أعجمي ويشبه اسماً مصغراً، ومن نوَّن قال لأنه اسم خفيف، فوجهه أن يصرف، وإن كان أعجمياً مثل نوح وهود ولوط. واختار أبو عبيدة التنوين وقال: لأن هذا ليس منسوباً إلى أبيه، إنما هو كقولك زيد ابن الأمير وزيد ابن أختنا، فعزيرٌ مبتدأ وما بعده خبر له. وقال عبيد بن عمير: إنما قال هذه المقالة رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص بن عازوراء، وهو الذي قال:إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [آل عمران: 181]. وروى عطية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما قالت اليهود عزير ابن الله من أجل أن عزيراً كان فيهم وكانت التوراة عندهم والتابوت فيهم، فأضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق، فرفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم، فدعا الله عزيرُ وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدورهم، فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله تعالى نزل نور من السماء فدخل جوفه فعادت إليه التوراة فأذّن في قومه، وقال: يا قوم قد آتاني اللَّه التوراة وردها إليّ! فعلق به الناس يعلمهم، فمكثوا ما شاء الله تعالى، ثم إن التابوت نزل بعد ذهابه منهم، فلما رأوا التابوا عرضوا ما كان فيه على الذي كان يعلمهم عزير فوجدوه مثله، فقالوا: ما أُوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله. وقال الكلبي: إن بختنصر لما ظهر على بني إسرائيل وقتل منهم من قرأ التوراة، وكان عزير إذ ذاك صغيراً فاستصغره فلم يقتله، فلما رجع بنو إسرائيل إلى بيت المقدس وليس فيهم من يقرأ التوراة بعث الله عزيراً ليجدد لهم التوراة وتكون لهم آية بعد مائة سنة، يقال: وأتاه ملك بإناء فيه ماء فسقاه فمثلت التوراة في صدره، فلما أتاهم قال: أنا عزير فكذبوه وقالوا إن كنت كما تزعم فأملِ علينا التوراة، فكتبها لهم. ثم إن رجلاً قال: إن أبي حدثني عن جدي أن التوراة جعلت في خابية ودفنت في كرم، فانطلقوا معه حتى أخرجوها، فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منها حرفاً، فقالوا: إن الله لم يقذف التوراة في قلب رجل إلا أنه ابنه، فعند ذلك قالت اليهود: عزيرٌ ابن الله.

السابقالتالي
2