الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }

ثم قال تعالى: { قُلْ } يا محمد للمتخلفين عن الهجرة: { إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ } ، وذلك أنه لما نزلت الآية الأولى قال الذين أسلموا ولم يهاجروا: إنْ نحنُ هاجرنا ضاعت أموالُنا وذهبت تجاراتُنا وخُرّبتْ دورُنَا وقطعنا أرحامنا، فنزل: { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } ، قرأ أبو بكر عن عاصم: " عشيراتكم " بالألف على الجمع، والآخرون بلا ألف على التوحيد، لأن جمع العشيرة عشائر: { وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } اكتسبتموها { وَتِجَـٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ } ، أي: تستطيبونها يعني القصور والمنازل، { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ } ، فانتظروا، { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، قال عطاء: بقضائه. وقال مجاهد ومقاتل: بفتح مكة وهذا أمر تهديد، { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى } لا يُوفّق ولا يُرشد { ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } ، الخارجين عن الطاعة. قوله تعالى: { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ } ، أي مشاهد، { كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } ، وحنين وادٍ بين مكة والطائف. وقال عروة: إلى جنب ذي المجاز. وكانت قصة حنين على ما نقله الرواة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وقد بقيت عليه أيام من شهر رمضان، ثم خرج إلى حُنين لقتال هوازن وثقيف في اثني عشر ألفاً، ـ عشرة آلاف من المهاجرين وألفان من الطلقاء، قال عطاء كانوا ستة عشر ألفاً. وقال الكلبي: كانوا عشرة آلاف، وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا قط، والمشركون أربعة آلاف من هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف النَّصْري، وعلى ثقيف كنانة بن عبد ياليل الثقفي، فلما التقى الجمعان قال رجل من الأنصار يقال له سلمة بن سلامة بن وقش: لن نُغلبَ اليومَ عن قلة، فساء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كلامُه، ووكلوا إلى كلمة الرجل. وفي رواية: فلم يرض الله قوله، ووَكَلَهم إلى أنفسهم فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم المشركون وخلوا عن الذراري، ثم نادوا: يا حماة السواد اذكروا الفضائح، فتراجعوا وانكشف المسلمون. قال قتادة: وذكر لنا أن الطلقاء انجفلوا يومئذ بالناس فلما انجفل القوم هربوا. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد العزيز أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو خيثمة عن أبي إسحاق قال: " قال رجل للبراء بن عازب: يا أبا عُمارة فررتُم يومَ حنين؟ قال: لا والله ما ولَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شُبَّانُ أصحابِه وأَخِفَّاؤُهُم وهم حُسّرٌ ليس عليهم سلاحُ، أو كثيرُ سلاح، فلقوا قوماً رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن وبني نَصْر، فَرَشَقُوهم رَشْقَاً ما يكادون يخطئونَ، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر وقال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب، ثم صفَّهُمْ ".

السابقالتالي
2 3 4 5