الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، أي: هذه: براءة من الله. وهي مصدر كالنَّشاءة والدَّناءة. قال المفسرون: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، كان المنافقون يرجفون الأراجيف وجعل المشركون ينقضون عهوداً كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله عزّ وجلّ بنقض عهودهم، وذلك قوله عزّ وجلّ:وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً } الآية [الأنفال: 58]. قال الزَّجَّاج: براءة أي: قد برىء اللّهُ ورسولهُ من إعطائهم العهود والوفاء لهم بها إذا نكثوا. { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } ، الخطاب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي عاهدهم وعاقدهم، لأنه عاهدهم وأصحابه راضون بذلك، فكأنهم عاقدوا وعاهدوا. { فَسِيحُواْ فِى ٱلأَرْضِ } ، رَجع من الخبر إلى الخطاب، أي: قلْ لهم: سيحوا، أي سيروا في الأرض، مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين أحداً من المسلمين، { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى ٱللَّهِ } ، أي: غير فائتين ولا سابقين، { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِى ٱلْكَـٰفِرِينَ } ، أي: مذلُّهم بالقتل في الدنيا والعذاب في الآخرة. واختلف العلماء في هذا التأجيل وفي هؤلاء الذي برىء الله ورسوله إليهم من العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال جماعة: هذا تأجيل من الله تعالى / للمشركين، فمن كانت مدةُ عهده أقلَّ من أربعة أشهر: رفعه إلى أربعة أشهر، ومن كانت مدة عهده أكثر من أربعة أشهر: حطّه إلى أربعة أشهر، ومن كانت مدة عهده بغير أجل محدود: حدّه بأربعة أشهر، ثم هو حرب بعد ذلك لله ورسوله، فيُقتل حيث أدْرك ويؤسر، إلا أن يتوب. وابتداء هذا الأجل: يوم الحج الأكبر، وانقضاؤه إلى عشر من شهر ربيع الآخر. فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحُرُم، وذلك خمسون يوماً. وقال الزهري: الأشهر الأربعة شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، لأن هذه الآية نزلت في شوال، والأول هو الأصوب وعليه الأكثرون. وقال الكلبي: إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان له عهد دون أربعة أشهر، فأتمّ له أربعة أشهر، فأمّا من كان له عهد أكثر من أربعة أشهر فهذا أمر بإتمام عهده، بقوله تعالى: { فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ }. قال الحسن: أمر الله عزّ وجلّ رسولَه صلى الله عليه وسلم بقتال من قاتله من المشركين، فقال: { قَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ } ، فكان لا يقاتل إلاّ من قاتله، ثم أمره بقتال المشركين، والبراءة منهم، وأجَّلهم أربعة أشهر، فلم يكن لأحد منهم أجل أكثر من أربعة أشهر، لا من كان له عهد قبل البراءة ولا من لم يكن له عهد، فكان الأجل لجميعهم أربعة أشهر، وأحلّ دماءَ جميعهم من أهل العهد وغيرهم بعد انقضاء الأجل.

السابقالتالي
2 3