الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله عز وجل: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } الآية. أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، حدثنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، حدثنا عبد الله بن حامد بن محمد الوزان، حدثنا أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المعافري، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، حدثنا النعمان بن بشير قال: كنتُ عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أُبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أَسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أعمر المسجد الحرام. وقال الآخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتما، فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليتُ دخلت فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم به، ففعل فأنزل الله عزّ وجلّ: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ، إلى قوله: { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال العباس حين أُسِر يومَ بدرٍ: لئن كنتم سبقتمونا بالإِسلام والهجرة والجهاد، لقد كنّا نعمر المسجد الحرام، ونُسْقي الحاجّ، فأنزل الله هذه الآية، وأخبر أن عمارتهم المسجد الحرام وقيامهم على السقاية لا تنفعهم مع الشرك بالله، والإِيمان بالله والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيرٌ مما هم عليه. وقال الحسن، والشعبي، ومحمد بن كعب القرظي، نزلت في عليّ بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن شيبة، افتخروا فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي: ما أدري ما تقولون لقد صليت إلى القبلة ستّة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ }. والسقاية: مصدر كالرعاية والحماية. قوله: { وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } ، فيه اختصار تقديره: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإِيمان من آمن بالله وجهاد من جاهد في سبيل الله؟ وقيل: السقاية والعمارة بمعنى الساقي والعامر. وتقديره: أجعلتم ساقي الحاج وعامرَ المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ وهذا كقوله تعالى:وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } [طه: 132] أي: للمتقين، يدل عليه قراءة عبد الله بن الزبير وأُبيِّ بن كعب " أجعلتم سُقَاةَ الحاجِّ وعَمَرَة المسجدِ الحرامِ " على جمْع الساقي والعامر. { كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أبو أسامة، حدثنا يحيى بن مهلب، عن حسين، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يافضل اذهب إلى أمك فاتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بشرابٍ من عندها، فقال: اسقني، فقال: يا رسول الله إنّهم يجعلون أيديهم فيه، قال: اسقني، فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال:

السابقالتالي
2