الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } الآية. قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما أنزل الله عزّ وجلّ عيوب المنافقين في غزوة تبوك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا فكان المسلمون ينفرون جميعاً إلى الغزو ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم وحده، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية. وهذا نفي بمعنى النهي. قوله تعالى: { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } ، أي: فهلاَّ خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعةٌ [ويبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعةٌ] { لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدِّينِ } ، يعني فرقة القاعدين، يتعلمون القرآن والسُّننَ والفرائضَ والأحكام، فإذا رجعت السرايا أخبروهم بما أُنزل بعدهم، فتمكث السرايا يتعلمون ما نزل بعدهم، وتبث سرايا أخر، فذلك قوله: { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ } ، وليعلموهم بالقرآن ويخوفوهم به، { إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } لا يعملون بخلافه. وقال الحسن: هذا التفقه والإِنذار راجع إلى الفرقة النافرة، ومعناه: هلاَّ نفرَ فرقةٌ ليتفقهوا، أي: ليتبصروا بما يريهم الله من الظهور على المشركين ونصرة الدين، ولينذروا قومَهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد فيخبروهم بنصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لعلّهم يحذرون أن يُعادُوا النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار. وقال الكلبي: لها وجه آخر وهو أن أحياء من بني أسد من خزيمة أصابتهم سنة شديدة فأقبلوا بالذراري حتى نزلوا المدينة فأَفسدُوا طُرقها بالعذرات وأَغْلَوا أسعارها فنزل قوله: { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } ، أي: لم يكن لهم أن ينفروا كافة ولكن من كل قبيلة طائفة ليتفقهوا في الدين. وقال مجاهد: نزلت في ناس خرجوا في البوادي ابتغاء الخير من أهلها فأصابوا منهم معروفاً، ودَعَوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال الناس لهم: ما نراكم إلاّ وقد تركتم صاحبكم وجئتمونا، فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجاً، وأقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية، أي: هلاّ نَفَر من كل فرقة منهم طائةٌ ليتفقهوا في الدين ويستمعوا ما أنزل بعدهم ولينذروا قومهم، يعني: الناس كلهم إذا رجعوا إليهم ويدعوهم إلى الله، لعلّهم يحذرون بأس الله ونقمته، وقعدت طائفة يبتغون الخير. أخبرنا أبو عبدالله محمد بن الفضل الخرقي، أنبأنا أبو الحسن الطيسفوني، حدثنا عبدالله بن عمر الجوهري، حدثنا أحمد ابن علي الكشميهني، حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا عبدالله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ يُردِ اللّهُ به خيراً يُفَقِّهْهُ في الدِّين ".

السابقالتالي
2