الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } * { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } ، اتسعت، { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ } ، غماً وهماً، { وَظَنُّوۤاْ } ، أي: تيقنوا، { أَنْ لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ } ، لا مفزع من الله، { إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ } ، أي: ليستقيموا على التوبة فإن توبتهم قد سبقت. { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }. { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } ، قال نافع: مع محمد وأصحابه. وقال سعيد ابن جبير: مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقال ابن جريج: مع المهاجرين، لقوله تعالى: { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ } إلى قولهأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [الحشر: 8]. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك بإخلاص نية. وقيل: مع الذين صدقوا في الإِعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة. وكان ابن مسعود يقرأ: { وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } وقال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جِدِّ ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيَّه شيئاً ثم لا ينجز له، اقرؤا إن شئتم وقرأ هذه الآية. قوله تعالى: { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } ظاهره خَبَرٌ، ومعناه نهي، كقوله تعالى:وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } [الأحزاب: 53] { وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ } ، سكان البوادي: مُزينة، وجُهينة، وأشجع، وأسلم، وغِفار. { أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } ، إذا غَزَا. { وَلاَ يَرْغَبُواْ } ، أي: ولا أن يرغبُوا، { بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } ، في مصاحبته ومعاونته والجهاد معه. وقال الحسن: لا يرغبوا بأنفسهم عن أن يصيبهم من الشدائد فيختاروا الخفض والدَّعَة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مشقة السفر ومقاساة التعب. { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ } ، في سفرهم، { ظَمَأٌ } ، عطش، { وَلاَ نَصَبٌ } ، تعب، { وَلاَ مَخْمَصَةٌ } ، مجاعة، { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً } ، أرضاً، { يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ } ، وطؤهم إياه، { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً } ، أي: لا يصيبون من عدوهم قتلاً أو أَسراً أو غنيمةً أو هزيمةً، { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }. أخبرنا عبدالواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبدالله، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا يزيد بن أبي مريم، حدثنا عباية ابن رفاعة قال: أدركني أبو عبس وأنا ذاهب إلى الجمعة فقال: " سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنِ اغْبرَّتْ قدماه في سبيل اللّهِ حرّمها اللّهُ على النار» ". واختلفوا في حكم هذه الآية، قال قتادة: هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا غزا بنفسه لم يكن لأحد أن يتخلّف عنه إلاّ بعذر، فأمّا غيره من الأئمة والولاة فيجوز لمن شاء من المسلمين أن يتخلّف عنه إذا لم يكن بالمسلمين ضرورة. وقال الوليد بن مسلم: سمعتُ الأوزاعي، وابنَ المبارك، وابنَ جابر، وعمر بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية: إنها لأَوَّلِ هذه الأمة وآخرها. وقال ابن زيد: هذا حين كان أهل الإسلام قليلاً، فلما كثروا نسخها الله تعالى وأباح التخلّف لمن يشاء، فقال: { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً }.