الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ، يحكم بما يشاء، { يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }. قوله عزّ وجلّ: { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَىٰ ٱلنَّبِىِّ } الآية، تَابَ الله أي: تجاوز وصفح. ومعنى توبته على النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه للمنافقين بالتخلّف عنه. وقيل: افتتح الكلام به لأنه كان سبب توبتهم، فذكره معهم، كقوله تعالى:فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال: 41]، ونحوه. { وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأَنصَـٰرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } ، أي: في وقت العسرة، ولم يرد ساعةً بعينها، وكانت غزوة تبوك تُسمى غزوة العسرة، والجيش يسمى جيش العسرة. والعسرة: الشدة، وكانت عليهم عسرة في الظَّهر والزاد والماء. قال الحسن: كان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد يعتقبونه يركب الرجل ساعةً ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك، وكان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير، وكان النفر منهم يخرجون ما معهم إلاّ التمرات بينهم، فإذا بلغ الجوع من أحدهما أخذ التمرة فلاَكَها حتى يجد طعمَها ثم يعطيها لصاحبه فيمصها، ثم يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم، ولا يبقى من التمرة إلا النواة، فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك على صِدْقِهم ويقينهم. وقال عمر بن الخطاب: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يارسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيراً فادْعُ اللّهَ لنا.. قال: «أتحبُّ ذلك»؟ قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماءُ فأظلّتْ ثم سَكبت، فملؤوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر. { مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ } ، قرأ حمزة وحفص: «يزيغ» بالياء لقوله: «كاد» ولم يقل: كادتْ. وقرأ الآخرون بالتاء. والزيغ: الميل، أي: من بعد ما كاد تميل، { قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } ، أي: قلوب بعضهم، ولم يُردِ الميلَ عن الدين، بل أراد الميل إلى التخلّف والانصراف للشِّدة التي عليهم. قال الكلبي: هَمّ ناسٌ بالتخلّف ثم لحقوه. { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } ، فإن قيل: كيف أعاد ذكر التوبة وقد قال في أول الآية: { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىِّ }؟. قيل: ذكر التوبة في أول الآية قبل ذكر الذنب، وهو محض الفضل من الله عزّ وجلّ، فلما ذكر الذنب أعاد ذكر التوبة، والمراد منه قبولها. { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }. قال ابن عباس: من تاب الله عليه لم يعذبه أبداً. قوله عزّ وجلّ: { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } ، أي: خُلِّفُوا عن غزوة تبوك.

السابقالتالي
2 3 4 5