الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

{ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً } ، أي: شكاً ونفاقاً، { فِي قُلُوبِهِم } ، يحسبون أنهم كانوا في بنيانه مُحسنين كما حُبب العجل إلى قوم موسى. قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الكلبي: حسرة وندامة لأنهم ندموا على بنائه. وقال السدي: لا يزال هدم بنائهم ريبة وحزازةً وغيظاً في قلوبهم. { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } ، أي: تتصدّع قلوبهم فيموتوا. وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، وحمزة وحفص: " تَقطّع " بفتح التاء أي: تتقطع. والآخرون بضمِّها. وقرأ يعقوب وحده «إلى أن» خفيفٌ، على الغاية، " تُقطع " بضم التاء، خفيف، من القطع يدل على تفسيرُ الضحَّاك وقتادةَ: لا يزالون في شك منه إلى أن يموتوا فيستيقنوا، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }. قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُمْ }. الآية. " قال محمد بن كعب القرظي: لما بايعتِ الأنصارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة بمكة وهم سبعون نفساً، قال عبدالله بن رواحة: يارسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال: أشترط لربي عزّ وجلّ: أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي، أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسَكم وأموالكم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة، قالوا: رَبِحَ البيعُ لانقيلُ ولا نستقيل، فنزلت: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } ". وقرأ الأعمش «بالجنة». { يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } ، قرأ حمزة والكسائي: «فَيَقْتُلُون» بتقديم المفعول يقتل بعضهم بعضاً، ويقتل الباقون. وقرأ الآخرون بتقديم الفاعل. { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } أي: ثواب الجنة لهم وعدٌ وحقٌ { فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ } ، يعني: أنّ اللّهَ عزّ وجلّ وعدهم هذا الوعد وبيَّنه في هذه الكتب، وفيه دليل على أن أهل الملل كلهم أُمروا بالجهاد على ثواب الجنة، ثم هنَّأّهم فقال: { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ } ، فافرحوا { بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } ، قال عمر رضي الله عنه: إنّ الله عزّ وجلّ بايعك وجعل الصفقتين لك. وقال قتادة: ثَامَنَهُمُ اللّهُ عزّ وجلّ فأغْلَى لهم. وقال الحسن: اسعوا إلى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن. وعنه أنه قال: إن الله أعطاك الدنيا فاشتر الجنة ببعضها