الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } * { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } * { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } * { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } * { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } * { وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ } * { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ }

{ وَٱلَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } ، أي إذا سار وذهب كما قال تعالى:وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } [المدثر: 33]، وقال قتادة: إذا جاء وأقبل وأراد كل ليلة. وقال مجاهد وعكرمة والكلبي: هي ليلة المزدلفة. قرأ أهل الحجاز والبصرة: " يسري " بالياء في الوصل ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء أيضاً، والباقون يحذفونها في الحالين، فمن حذف فلِوِفَاق رؤوس الآي، ومن أثبت فلأنها لام الفعل، والفعل لا يحذف منه في الوقف. نحو قوله: هو يقضي وأنا أقضي، وسئل الأخفش عن العلة في سقوط الياء؟ فقال: الليل لا يسري ولكن يسرى فيه، فهو مصروف فلما صرفه بخسه حقه من الإعراب، كقوله: { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } ، ولم يقل: " بغية " لأنها صرفت من باغية. { هَلْ فِي ذَلِكَ } أي فيما ذكرت، { قَسَمٌ } ، أي: مقنع ومكتفى في القسم، { لِّذِي حِجْرٍ } ، لذي عقل سمي بذلك لأنه يحجر صاحبه عمّا لا يحل ولا ينبغي، كما يسمى عقلاً لأنه يعقله عن القبائح، ونُهَى لأنه ينهى عما لا ينبغي، وأصل " الحَجْر ": المنع. وجواب القسم قوله: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } ، واعترض بين القسم وجوابه قوله عزّ وجلّ: { أَلَمْ تَرَ } ، قال الفرَّاء: ألم تُخْبَر؟ وقال الزجَّاج: ألم تعلم؟ ومعناه التعجب. { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إرَمَ } ، يخوِّف أهل مكة يعني: كيف أهلكهم، وهم كانوا أطول أعماراً وأشد قوة من هؤلاء، واختلفوا في إرم ذات العماد فقال سعيد بن المسيب: " إرم ذات العماد " دمشق، وبه قال عكرمة. وقال القرظي هي الإسكندرية، وقال مجاهد: هي أمَّة. وقيل: معناها: القديمة. وقال قتادة ومقاتل: هم قبيلة من عاد قال مقاتل: كان فيهم الملك وكانوا بمَهَرَة وكان عاد أباهم فنسبهم إليه وهو إرم بن سام بن نوح. وقال محمد بن إسحاق: هو جد عاد وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وقال الكلبي: " إرم " هو الذي يجتمع إليه نسب عاد وثمود وأهل الجزيرة، كان يقال: عاد إرم وثمود إرم، فأهلك الله عاداً ثم ثمود وبقي أهل السواد والجزيرة، وكانوا أهل عُمُدٍ وخيام وماشية سيارة في الربيع، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم، وكانوا أهل جنان وزروع ومنازلهم بوادي القرى، وهي التي يقول الله فيها: { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلَـٰدِ } ، وسموا ذات العماد لهذا لأنهم كانوا أهل عمد سيارة، وهو قول قتادة ومجاهد والكلبي، ورواية عطاء عن ابن عباس، وقال بعضهم: سموا ذلك العماد لطول قامتهم. قال ابن عباس: يعني طولهم مثل العماد. وقال مقاتل: كان طول أحدهم اثني عشر ذراعاً. وقوله: { لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلَـٰدِ } ، أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة، وهم الذين قالوا: { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوة }.

السابقالتالي
2 3