الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } * { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } * { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } * { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } * { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } * { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً }

{ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ } ، امتحنه، { رَبُّهُ } ، بالنعمة، { فَأَكْرَمَهُ } ، بالمال، { وَنَعَّمَهُ } ، بما وسع عليه، { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } ، بما أعطاني. { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلَـٰهُ } ، بالفقر، { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } ، قرأ أبو جعفر وابن عامر " فقدَّر " بتشديد الدال، وقرأ الآخرون بالتخفيف، وهما لغتان أي ضيّق عليه رزقه. وقيل: " قَدَر " بمعنى قتر وأعطاه قدر ما يكفيه. { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أهاننِ } ، أذلني بالفقر. وهذا يعني به الكافر تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة المال والحظ في الدنيا وقلَّتِه. قال الكلبي ومقاتل: نزلت في أمية بن خلف الجمحي الكافر فرد الله على من ظن أن سعة الرزق إكرامٌ وأن الفقر إهانة فقال: { كَلاَّ } لم أَبْتَلِه بالغنى لكرامته ولم أبتله بالفقر لهوانه، فأخبر أن الإكرام والإهانة لا تدور على المال وسعة الرزق، ولكن الفقر والغنى بتقديره فيوسع على الكافر لا لكرامته، ويقدر على المؤمن لا لهوانه، إنما يكرم المرء بطاعته ويهينه بمعصيته. قرأ أهل الحجاز والبصرة " أكرمني وأهانني " ، بإثبات الياء في الوصل، ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء أيضاً، والآخرون يحذفونها وصلاً ووقفاً. { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } ، قرأ أهل البصرة " يكرمون، ويحضون، ويأكلون، ويحبون " بالياء فيهن، وقرأ الآخرون بالتاء، { لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } لا تحسنون إليه. وقيل: لا تعطونه حقه. قال مقاتل: كان قدامة بن مظعون يتيماً في حجر أمية بن خلف وكان يدفعه عن حقه. { وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } ، أي لا تأمرون بإطعامه، وقرأ أبو جعفر وأهل الكوفة: " تَحَاضُّون " بفتح الحاء وألف بعدها أي لا يحض بعضكم بعضاً عليه. { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ } ، أي الميراث، { أَكْلاً لَّمّاً } ، شديداً وهو أن يأكل نصيبه ونصيب غيره، وذلك أنهم كانوا لا يُورِّثون النساء ولا الصبيان، ويأكلون نصيبهم. قال ابن زيد: الأكل اللَّمُّ: الذي يأكل كل شيء يجده لا يسأل عنه أحلال هو أم حرام؟ ويأكل الذي له ولغيره، يقال: لممت، على الخِوان إذا أتيت ما عليه فأكلته. { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } أي كثيراً يعني: تحبون جمع المال وتولعون به، يقال: جمَّ الماءُ في الحوض إذا كثر واجتمع. { كَلاَّ } ، ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر. وقال مقاتل: أي لا يفعلون ما أمروا به من إكرام اليتيم وإطعام المسكين، ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم، فقال عزّ من قائل: { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } ، مرة بعد مرة وكسر كل شيء على ظهرها من جبل وبناء وشجر فلم يبق على ظهرها شيء. { وَجَآءَ رَبُّكَ } ، قال الحسن: جاء أمره وقضاؤه. وقال الكلبي: ينزل { وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } ، قال عطاء: يريد صفوف الملائكة، وأهل كل سماء صف على حدة.

السابقالتالي
2 3