الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } * { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } * { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } * { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } * { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

{ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } ، شراب ينصبُّ عليهم من علو في غرفهم ومنازلهم، وقيل: يجري في الهواء متسنماً فينصبّ في أواني أهل الجنة على قدر ملئها فإذا امتلأت أمسك. وهذا معنى قول قتادة. وأصل الكلمة من العلو، يقال للشيء المرتفع: سنام ومنه: سنام البعير. قال الضحاك: هو شراب اسمه تسنيم وهو من أشرف الشراب. قال ابن مسعود وابن عباس: هو خالص للمؤمنين المقربين يشربونها صرفاً ويمزج لسائر أهل الجنة. وهو قوله: { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ }. وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: { مِن تَسْنِيمٍ }؟ قال: هذا مما قال الله تعالى:فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة: 17]. { عيناً } نصبٌ على الحال، { يَشْرَبُ بها } أي منها، وقيل: يشرب بها المقربون صرفاً. قوله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } ، أشركوا يعني كفار قريش: أبا جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأصحابهم من مترفي مكة، { كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمنوا }: عمار وخباب وصهيب وبلال وأصحابهم من فقراء المؤمنين. { يضحكون } ، وبهم يستهزؤون. { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ } ، يعني من فقراء المؤمنين بالكفار، { يَتَغَامَزُونَ } ، والغمز الإشارة بالجفن والحاجب، أي يشيرون إليهم بالأعين استهزاءً. { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ } ، يعني الكفار، { إِلَىٰ أَهْلِهِمْ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } ، معجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم. { وَإِذَا رَأَوْهُمْ } ، رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، { قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَآلُّونَ } ، يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم يرون أنهم على شيء. { وَمَآ أُرْسِلُواْ } ، يعني المشركين، { عَلَيْهِمْ } ، يعني على المؤمنين، { حَـٰفِظِينَ } ، أعمالهم أي لم يوكلوا بحفظ أعمالهم. { فَٱلْيَوْمَ } ، يعني في الآخرة، { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يضحكونَ } ، قال أبو صالح: وذلك أنه يفتح للكفار في النار أبوابها، ويقال لهم: اخرجوا فإذا رَأوها مفتوحة أقبلوا إليها ليخرجوا والمؤمنون ينظرون إليهم فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم، يفعل ذلك بهم مراراً والمؤمنون يضحكون. وقال كعب: بين الجنة والنار كُوَىً فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوٍ له كان في الدنيا اطلع عليه من تلك الكوى، كما قال:فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 55]، فإذا اطلعوا من الجنة إلى أعدائهم وهم يعذبون في النار ضحكوا فذلك قوله عزّ وجلّ: { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يضحكونَ }. { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } ، من الدر والياقوت، { يَنظُرُونَ } ، إليهم في النار. قال الله تعالى: { هَلْ ثُوِّبَ } ، هل جوزي، { ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } ، أي جزاء استهزائهم بالمؤمنين. ومعنى الاستفهام ها هنا: التقرير. وثوب وأثيب بمعنى واحد.