الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ }

{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ } ، ليس بتفسير عليين أي مكتوب أعمالهم كما ذكرنا في كتاب الفجار، وقيل: كتب هناك ما أعد الله لهم من الكرامة، وهو معنى قول مقاتل. وقولهم: رقم لهم يخبر. وتقدير الآية على التقديم والتأخير مجازها: إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين، وهو محل الملائكة، ومثله إن كتاب الفجار كتاب مرقوم في سجين، وهو محل إبليس وجنده. { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } ، يعني الملائكة الذين هم في عليين يشهدون ويحضرون ذلك المكتوب، أو ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين. { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } ، إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعمة، وقال مقاتل: ينظرون إلى عدوهم كيف يعذبون. { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } ، إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة مما ترى في وجوههم من النور والحسن والبياض، قال الحسن: النضرة في الوجه والسرور في القلب، قرأ أبو جعفر ويعقوب: " تُعْرَف " بضم التاء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل " نُضْرةُ " رفع وقرأ الباقون بفتح التاء وكسر الراء " نضرةَ " نصب. { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ } ، خمر صافية طيبة. قال مقاتل: الخمر البيضاء. { مَّخْتُومٍ } ، ختم ومنع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه الأبرار، قال مجاهد: " مختوم " أي مطّين. { خِتَامُهُ } ، أي طينه، { مِسْكٌ } ، كأنه ذهب إلى هذا المعنى، قال ابن زيد: ختامه عند الله مسك وختام خمر الدنيا طين. وقال ابن مسعود: " مختوم " أي ممزوج ختامه أي: آخر طعمه، وعاقبته مسك فالمختوم الذي له ختام، أي آخر وخَتْمُ كلِ شيء الفراغ منه. وقال قتادة: يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك. وقراءة العامة { خِتَـٰمُهُ مِسْكٌ } بتقديم التاء، وقرأ الكسائي " خاتمه " وهي قراءة علي وعلقمة ومعناهما واحد كما يقال: فلان كريم الطابع والطباع والخاتم والختام آخر كل شيء. { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ } ، فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله عزّ وجلّ. وقال مجاهد: فليعمل العاملون، نظيره. قوله تعالى:لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ } [الصافات: 61]، وقال مقاتل بن سليمان: فليتنازع المتنازعون وقال عطاء: فليستبق المستبقون، وأصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس، ويريده كل أحد لنفسه وينفس به على غيره، أي يضِنُّ.