الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } * { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } ، اختلفوا في الجالب لهذه الكاف التي في قوله { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } ، قال المبرد: تقديره الأنفال لله وللرسول وإن كرهوا، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كرهوا. وقيل: تقديره: امضِ لأمر الله في الأنفال وإن كرهوا كما أمضيت لأمر الله في الخروج من البيت لطلب العير وهم كارهون. وقال عكرمة: معناه فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن ذلك خير لكم، كما أن إخراج محمد صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق خير لكم، وإن كرهه فريق منكم. وقال مجاهد: معناه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق على كره فريق منهم، كذلك يكرهون القتال ويجادلون فيه. وقيل: هو راجع إلى قوله: " لهم درجات عند ربهم " ، تقديره: وَعْدُ [الله] الدرجات لهم حقٌّ ينجزه الله عزّ وجلّ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، فأنجز الوعد بالنصر والظفر. وقيل: الكاف بمعنى على، تقديره: امضِ على الذي أخرجك ربّك. وقال أبو عبيدة: هي بمعنى القسم مجازاً والذي أخرجك، لأن " ما " في موضع الذي، وجوابه " يجادلونك " ، وعليه يقع القسم، تقديره: يجادلونك والله الذي أخرجك ربّك من بيتك بالحق. وقيل: الكاف بمعنى " إذ " تقديره: واذكرْ إذْ أخرجك ربّك. وقيل: المراد بهذا الإخراج هو إخراجه من مكة إلى المدينة. والأكثرون على أن المراد منه إخراجه من المدينة إلى بدر، أي: كما أمرك ربك بالخروج من بيتك إلى المدينة بالحق، قيل: بالوحي لطلب المشركين، { وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، منهم، { لَكارِهُونَ }. { يُجَـٰدِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ } ، أي: في القتال، { بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } ، وذلك أن المؤمنين لمّا أيقنوا القتال كرهوا ذلك، وقالوا: لم تُعْلمْنَا أنا نلقى العدو فنستعدّ لقتالهم، وإنّما خرجنا للعير، فذلك جدالهم بعدما تبين لهم أنك ما تصنع إلاّ ما أمرك، وتبين صدقك في الوعد، { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ } لشدّة كراهيتهم القتال، { وَهُمْ يَنظُرُونَ } ، فيه تقديم وتأخير، تقديره: وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهون كأنما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون يجادلونك في الحق بعدما تبيّن. قال ابن زيد: هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام لكراهيتهم إيّاه وهم ينظرون. قوله تعالى: { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } ، قال ابن عباس وابن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي: أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش في أربعين راكباً من كفار قريش فيهم: عمرو بن العاص، ومخرمة بن نوفل الزهري، وفيها تجارة كثيرة، وهي اللطيمة حتى إذا كانوا قريباً من بدر، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فندب أصحابه إليه وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدد، وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجُوا إليها لعلّ الله أن يُنفِلْكُموها، فانتدب الناسَ فخفّ بعضهم وثقل بعض، وذلك أنهم لم يظنّوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً.

السابقالتالي
2 3 4