الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } * { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ، أي: شرك. قال الربيع: حتى لا يفتن مؤمن عن دينه، { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ } ، أي: ويكون الدين خالصاً لله لا شرك فيه، { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } ، عن الكفر، { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ، قرأ يعقوب " تعملون " بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء. { وَإِن تَوَلَّوْاْ } ، عن الإيمان وعادوا إلى قتال أهله، { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ } ، ناصركم ومعينكم، { نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } ، أي: الناصر. قوله تعالى: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } الآية، الغنيمة والفيء: اسمان لمالٍ يصيبه المسلمون من أموال الكفار. فذهب جماعة إلى أنهما واحد، وذهب قوم أنهما يختلفان، فالغنيمة ما أصابه المسلمون منهم عُنْوةً بقتال، والفيء: ما كان عن صلح بغير قتال. فذكر الله عزّ وجلّ في هذه الآية حكم الغنيمة، فقال: " فأن لله خُمُسَهُ وللرّسول ". فذهب أكثر المفسّرين والفقهاء إلى أن قوله: " لله " افتتاح كلام على سبيل التبرك وإضافة هذا المال إلى نفسه لشرفه، وليس المراد منه أنّ سهماً من الغنيمة لله منفرداً، فإن الدنيا والآخرة كلها لله عزّ وجلّ. وهو قول الحسن وقتادة وعطاء وإبراهيم والشعبي، قالوا: سَهْمُ الله وسهم الرسول واحد. والغنيمة تقسم خمسة أخماس، أربعة أخماس لمن قاتل عليها، وخمس لخمسة أصناف كما ذكر الله عزّ وجلّ: { وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ }. قال بعضهم: يقسم الخمس على ستة أسهم، وهو قول أبي العالية، سهم الله: فيصرف إلى الكعبة. والأول أصح، أنَّ خُمُس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم، سهم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، واليوم هو لمصالح المسلمين وما فيه قوّة الإسلام، وهو قول الشافعي رحمه الله. وروى الأعمش عن إبراهيم قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح. وقال قتادة: هو للخليفة بعده. وقال بعضهم: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس والخمس لأربعة أصناف. قوله: { وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ } ، أراد أن سهماً من الخمس لذوي القربى وهم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم. واختلفوا فيهم، فقال قوم: جميع قريش. وقال قوم: هم الذين لا تحل لهم الصدقة. وقال مجاهد وعلي بن الحسين: هم بنو هاشم. وقال الشافعي: هم بنو هاشم وبنو المطلب وليس لبني عبد شمس ولا لبني نوفل منه شيء، وإن كانوا إخوة، والدليل عليه ما: أخبرنا عبدالوهّاب بن محمد الخطيب، أنا عبدالعزيز أحمد الخلال، ثنا أبو العباس الأصم، أنبأنا الربيع، أنبأنا الشافعي، أنبأنا الثقة عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب، ولم يعط منه أحداً من بني عبد شمس ولا بني نوفل شيئاً.

السابقالتالي
2 3 4