الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ ذَلِكُم } الذي ذكرت من القتل والرمي والبلاء الحسن، { وَأَنَّ ٱللَّهَ } ، قيل: فيه إضمار، أي: واعلموا أن الله { مُوهِنُ } ، مضعف، { كَيْدِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } ، قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة: " موهِّنٌ " بالتشديد والتنوين، " كَيْد " نَصْبٌ، وقرأ الآخرون " موهِن " بالتخفيف والتنوين إلاّ حفصاً، فإنه يضيفه فلا ينون ويخفض " كيدِ ". قوله تعالى: { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } ، وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر لمّا التقى الناس: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لم نعرف فأحِنْهُ الغداة، فكان هو المستفتح على نفسه. أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبدالله النعيمي أنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: قال عبدالرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتُّ فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيَان، حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه: يا عمّ أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي وما تصنع به؟ فقال: عاهدتُ اللَّهُ عزّ وجلّ إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه. فقال لي الآخر سراً من صاحبه مثله، فما سرّني أني بين رجلين بمكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدَّا عليه مثل الصَّقْرَينِ حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء. وأخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا محمد بن المثنى، ثنا ابن أبي عدي، عن سليمان التيمي عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: " مَنْ ينظرُ لنا ما فعل أبو جهل " ؟ قال: فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى بَرَدَ، قال: فأخذ بلحيته فقال: أنت أبو جهل؟ قال: وهل فوق رجل قتله قومه أو قتلتموه. قال محمد بن إسحاق: حدّثني عبدالله بن أبي بكر قال: قال معاذ بن عمرو بن الجموح لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أمر بأبي جهل بن هشام أن يُلتمس في القتلى، وقال: " اللّهم لا يعجزنّك " ، قال: فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة أطَّنت قدمه بنصف ساقه، قال: وضربني ابنهُ عكرمةُ على عاتقي، فَطَرَحَ يدي فتعلَّقَتْ بجلدة من جَنْبِي، وأجهضني القتالُ عنه، فلقد قاتلتُ عامَّة يومي، وإني لأسْحبُها خلفي، فلما آذتني جعلت عليها قدمي ثمّ تمطَّيْتُ بها حتى طرحتها، ثم مرّ بأبي جهل وهو عَقِيْرٌ معوَّذ بن عفراء، فضربه حتى أثْبته فتركه وبه رَمَقٌ، فمرّ عبدالله بن مسعود بأبي جهل، قال عبدالله بن مسعود: وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه، ثم قلت: هل أخزاك الله يا عدوّ الله؟ قال: وبماذا أخزاني، أعْمَدُ من رجلٍ قتلتموه، أخْبِرْني لمنِ الدائرة؟ قلت: لله ولرسوله.

السابقالتالي
2