الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } * { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }

قوله تعالى: { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } يعني: الإِمداد بالملائكة، { إِلاَّ بُشْرَىٰ } ، أي: بشارة، { وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }. { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ } ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو: " يغشاكم " بفتح الياء، " النعاس " رفع على أن الفعل له كقوله تعالى:أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } [آل عمران: 154]. قرأ أهل المدينة: " يُغْشِيْكُم " بضم الياء وكسر الشين مخففاً، " النعاسَ " نصب كقوله تعالى: " كأنّما أُغْشِيَتْ وجوههم " ، وقرأ الآخرون بضم الياء وكسر الشين مشدّداً، " النعاسَ " نصب، على أن الفعل لله عزّ وجلّ كقوله تعالى:فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } [النجم: 54]، والنعاس: النوم الخفيف. { أَمَنَةً } آمناً { منه } ، مصدر أمنت أمناً وأمنة وأماناً. قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: النعاس في القتال أمنة من الله وفي الصلاة وسوسة من الشيطان. { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } ، وذلك أن المسلمين نزلوا يوم بدر على كثيب أعفر، تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب، وسبقهم المشركون إلى ماء بدر وأصبح المسلمون بعضهم مُحْدِثين وبعضهم مُجْنِبينَ، وأصابهم الظمأ، ووسوس إليهم الشيطان، وقال: تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبيّ الله، وأنكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلُّون مُحْدِثْيِنَ ومُجْنِبِيْنَ، فكيف ترجون أن تظهروا عليهم؟ فأرسل الله عزّ وجلّ عليهم مطراً سال منه الوادي فشرب المسلمون واغتسلوا، وتوضّؤوا وسَقَوا الركاب، وملؤوا الأسقية، وأطفأ الغبارَ، ولبَّد الأرض حتى ثبتت عليهم الأقدام، وزالت عنهم وسوسة الشيطان، وطابت أنفسهم، فذلك قوله تعالى: " ويُنزّل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " من الأحداث والجنابة. { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } ، ووسوسته، { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } ، باليقين والصبر، { وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } ، حتى لا تسوخ في الرمل بتلبيد الأرض. وقيل: يثبت به الأقدام بالصبر وقوّة القلب. { إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَـٰئِكَةِ } ، الذين أمدّ بهم المؤمنين، { أَنِّي مَعَكُمْ } ، بالعون والنصرة، { فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } ، أي: قَوُّوا قلوبهم، قيل: ذلك التثبيت حضورهم معهم القتال ومعونتهم، أي: ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين. وقال مقاتل: أي: بشّروهم بالنصر، وكان المَلَكُ يمشي أمام الصف في صورة الرجل ويقول: أبشروا فإن الله ناصرُكم. { سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } ، قال عطاء: يريد الخوف من أوليائي، { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَـٰقِ } ، قيل: هذا خطاب مع المؤمنين. وقيل: هذا خطاب مع الملائكة، وهو متصل بقوله: " فثبّتوا الذين آمنوا " ، وقوله: " فوق الأعناق " ، قال عكرمة: يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق. وقال الضحاك: معناه فاضربوا الأعناق، وفوق صلة كما قال تعالىٰ:فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } [محمد: 4]، وقيل: معناه فاضربوا على الأعناق. فوق بمعنى: على.

السابقالتالي
2 3