الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } * { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ } * { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } * { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } * { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } * { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ }

{ فَكَذَّبَ } ، بأنهما من الله، { وَعَصَىٰ }. { ثُمَّ أَدْبَرَ } ، تولى وأعرض عن الإيمان { يَسْعَىٰ } ، يعمل بالفساد في الأرض. { فَحَشَرَ } ، فجمع قومه وجنوده، { فَنَادَىٰ } ، لما اجتمعوا. { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } ، فلا رب فوقي. وقيل: أراد أن الأصنام أرباب وأنا ربكم وربها. { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلأَخِرَةِ وَٱلأُولَىٰ } ، قال الحسن وقتادة: عاقبه الله فجعله نكال الآخرة والأولى، أي في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالنار. وقال مجاهد وجماعة من المفسرين: أراد بالآخرة والأولى كلمتي فرعون قوله:مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38] وقوله: { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } ، وكان بينهما أربعون سنة. { إِنَّ فِى ذَلِكَ } ، الذي فعل بفرعون حين كذب وعصى، { لَعِبْرَةً } ، لعظة، { لِّمَن يَخْشَىٰ } ، الله عزّ وجلّ. ثم خاطب منكري البعث فقال: { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ } ، يعني: أخَلْقكُم بعد الموت أشدُّ عندكم وفي تقديركم أمِ السماءُ؟ وهما في قدرة الله واحد، كقوله:لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [غافر: 57] ثم وصف من خلق السماء فقال: { بَنَـٰهَا }. { رَفَعَ سَمْكَهَا } سقفها { فَسَوَّٰهَا } ، بلا شطور ولا شقوق ولا فطور. { وَأَغْطَشَ } أظلم، { لَيْلَهَا } ، والغطش والغبش الظلمة، { وَأَخْرَجَ ضُحَـٰهَا } ، أبرز وأظهر نهارها ونورها، وأضافهما إلى السماء لأن الظلمة والنور كلاهما ينزل من السماء. { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ } ، بعد خلق السماء، { دَحَـٰهَا } ، بسطها، والدَّحْو: البسط. قال ابن عباس: خلق الله الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك. وقيل: معناه: والأرض مع ذلك دحاها، كقوله عزّ وجلّ:عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [القلم: 13] أي مع ذلك. { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَـٰهَا * وَٱلْجِبَالَ أَرْسَـٰهَا * مَتَـٰعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَـٰمِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } يعني النفخة الثانية التي فيها البعث وقامت القيامة، وسميت القيامة: " طامة " لأنها تطم على كل هائلة من الأمور فتعلو فوقها وتغمر ما سواها و " الطامة " عند العرب: الداهية التي لا تُستطاع. { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ مَا سَعَىٰ } ، ما عمل في الدنيا من خير وشر. { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } ، قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق. { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } ، في كفره. { وَءَاثَرَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } ، على الآخرة. { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } عن المحارم التي تشتهيها، قال مقاتل: هو الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها. { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا } ، متى ظهورها وثبوتها. { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } ، لست في شيء من علمها وذكرها، أي لا تعلمها. { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَـٰهَا } ، أي منتهى علمها عند الله.