الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً }

{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جزآءً ولا شُكُوراً } ، والشُّكور مصدر كالعُقود والدُّخول والخروج. قال مجاهد وسعيد بن جبير: إنهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم، فأثنى عليهم. { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً } ، تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته، ونسب العبوس إلى اليوم، كما يقال: يوم صائم وليل قائم. وقيل: وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة، { قَمْطَرِيراً } ، قال قتادة ومجاهد ومقاتل: " القمطرير ": الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس. قال الكلبي: العبوس الذي لا انبساط فيه، و " القمطرير ": الشديد، قال الأخفش: " القمطرير ": أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء، يقال: يوم قمطرير وقماطر إذا كان شديداً كريهاً، واقْمَطَرَّ اليوم فهو مُقْمَطِر. { فَوَقَـٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } الذي يخافون، { وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً } ، حُسْناً في وجوههم، { وَسُرُوراً } ، في قلوبهم. { وَجَزَٰهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } ، على طاعة الله واجتباب معصيته، وقال الضحاك: على الفقر. وقال عطاء: على الجوع. { جَنَّةً وَحَرِيراً } ، قال الحسن: أدخلهم الله الجنة وألبسهم الحرير. { مُّتَّكِئِينَ } ، نصب على الحال، { فِيهَا } في الجنة، { عَلَىٰ ٱلأَرَآئِكِ } ، السرُر في الحِجال، ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعا، { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } ، أي صيفاً ولا شتاءً. قال مقاتل: يعني شمساً يؤذيهم حرها ولا زمهريراً يؤذيهم برده، لأنهما يؤذيان في الدنيا. والزمهرير: البرد الشديد. { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـٰلُهَا } أي قريبة منهم ظلال أشجارها، ونصب " دانيةً " ، بالعطف على قوله: " متكئين " ، وقيل: على موضع قوله: { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } ، ويرون { دانيةً } ، وقيل: على المدح، { وَذُلِّلَتْ } ، سُخّرت وقُربت، { قُطُوفُهَا } ، ثمارها، { تَذْلِيلاً } ، يأكلون من ثمارها قياماً وقعوداً ومضطجعين ويتناولونها كيف شاؤوا على أي حال كانوا. { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } قال المفسرون: أراد بياض الفضة في صفاء القوارير، فهي من فضة في صفاء الزجاج، يرى ما في داخلها من خارجها. قال الكلبي: إن الله جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم، وإن أرض الجنة من فضة، فجعل منها قوارير يشربون فيها، { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } ، قدروا الكأس على قدر ريِّهم لا يزيد ولا ينقص، أي قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها ثم يسقون. { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } ، يشوّق ويطرب، والزنجبيل: مما كانت العرب تستطيبه جداً، فوعدهم الله تعالى أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة. قال مقاتل: لا يشبه زنجبيل الدنيا. قال ابن عباس: كل ما ذكر الله في القرآن مما في الجنة وسماهُ ليس له في الدنيا مثل. وقيل: هو عين في الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل. قال قتادة: يشربها المقربون صرفاً، ويمزج لسائر أهل الجنة. { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } ، قال قتادة: سلسة منقادة لهم يصرفونها حيث شاؤوا، وقال مجاهد: حديدةٌ شديدةُ الجرْيَة. وقال أبو العالية ومقاتل بن حيان: سميت سلسبيلاً لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك. قال الزجَّاج: سميت سلسبيلاً لأنها في غاية السلاسة تتسلسل في الحلق، ومعنى قوله: " تسمى " أي توصف لأن أكثر العلماء على أن سلسبيلاً صفة لا اسم.